اعتراف مهندس الخراب بدوره في وأد حلم الجنوب

السياسة - منذ 27 يوم

عين الجنوب : عادل ابو مشبع

في عالم السياسة، قد تُغتفر الأخطاء، لكن لا تُغتفر الخيانات. وقد يخطئ الزعيم، لكنه لا يتباهى بسقوطه الأخلاقي علناً . إلا أن علي ناصر محمد، أحد أبرز الوجوه التي صنعت مأساة الجنوب، اختار أن يكشف في لحظة صفاقة سياسية عن دوره الخفي – والمخزي – في عرقلة دخول دولة الجنوب العربي إلى مجلس التعاون الخليجي، بالتنسيق مع نظام علي عبدالله صالح.

هي ليست زلة لسان ، بل اعتراف واعٍ ومقصود، يكشف عن ما كان يُدار في الكواليس من تواطؤ ممن يفترض أنهم من أبناء الجنوب، ضد مصالح الجنوب نفسه.

فحين يقول علي ناصر محمد : إنه نجح "بالاتفاق مع علي عبدالله صالح" في منع انضمام الجنوب العربي إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي، فإننا أمام تصريح يُفترض أن يُدرّس في كتب التاريخ، لا بوصفه موقفاً سياسياً ، بل كـ"نموذج للخيانة الوطنية".

في الوقت الذي كانت فيه نوافذ الأمل مفتوحة أمام شعب الجنوب للخروج من أنفاق الوحدة القسرية والصراعات الداخلية، وبدء صفحة جديدة من الشراكة الإقليمية والاستقرار، جاء من أبناء هذا الوطن من اختار الوقوف في صف الجلاد، فقط لإرضاء نزعة ذاتية للسلطة أو رغبة انتقامية قديمة.

هذا التصريح لا يمكن فصله عن مجمل الدور الذي لعبه علي ناصر محمد منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو الدور الذي ظنه كثيرون قد انتهى بخروجه من عدن عقب أحداث يناير 1986 الدامية، لكن تبيّن لاحقاً أن أدوات التأثير لدى هذا الرجل لم تنتهِ، وأن بصماته استمرت في الظهور في أكثر المحطات خطورة، دوماً في الاتجاه الخطأ.

لم يكن علي ناصر محمد يوماً زعيماً بنى مشروعاً وطنياً ، بل كان دوماً لاعباً بارعاً في هندسة الانقسام، وامتطاء موجات الصراع لتكريس نفوذه الشخصي.
 لقد بدأت بصماته السوداء في أحداث يناير الشهيرة، حين تحوّلت عدن إلى ساحة حرب بين رفاق الأمس، لتنتهي بكارثة دمّرت ما تبقى من الدولة الجنوبية، ومهدت الطريق للضعف والانهيار، تمهيداً للوحدة اليمنية المفخخة عام 1990.

ثم استكمل مشواره بهدوء، متنقلاً بين العواصم، محاولاً الحفاظ على ما تبقى من أوراقه في المشهد، رافضاً الانخراط الجاد في أي مسعى حقيقي لاستعادة دولة الجنوب أو إعادة بناء نسيجه الاجتماعي.

واليوم، يأتي اعترافه بتفشيل مشروع دخول الجنوب إلى مجلس التعاون الخليجي، ليكشف عن أن ما كان يبدو صمتاً ، كان في الحقيقة مؤامرة باردة، لكنها ذات آثار مدمّرة.

يقول كثير من المفكرين : إن الشعوب التي لا تحاسب رموز خياناتها، تظل حبيسة الماضي ، وإنه لمن المستهجن أن يتعامل البعض مع أمثال علي ناصر محمد وكأنهم "قامات تاريخية"، في حين أن رصيدهم الحقيقي لا يتجاوز سجلاً من الإخفاقات، والصراعات الدموية، والتحالفات الخفية مع خصوم الجنوب.

الجنوب اليوم يقف على أعتاب مرحلة مفصلية. وبينما يسعى هذا الجيل لصياغة مشروع دولة مستقلة حديثة، على أسس من الشفافية والعدالة والانتماء الحقيقي، لا مكان فيه لمن باعوا المواقف، أو استسلموا لرغبات الخارج، أو تواطؤوا على تهميش الجنوب ودفن أحلام شعبه تحت طاولات الصفقات.

لا يكفي أن نقول:  إن علي ناصر محمد خذل الجنوب؛ بل يجب أن يُسجل التاريخ – بمداد أسود – أن هذا الرجل، وغيره من حلفاء الفشل السياسي، كانوا حجر عثرة أمام مشروع الدولة الجنوبية، ليس فقط بالسلاح أو الدم، بل أيضاً بالمواقف الصامتة، أو ما يُكشف عنه اليوم بجرأة فاضحة.

الجنوب لن يُبنى بأدوات الماضي، ولا بالوجوه التي فرّطت بالفرصة تلو الأخرى ، وعلى من شارك في خنق حلم الجنوب، أن يعتزل الحديث عن مستقبله.
لأن  هذا المستقبل لا مكان فيه للخونة، ولا لأبطال المؤامرات القديمة.

فيديو