نهب منظم لمقدرات الجنوب وغياب الخدمات.. لماذا أصبح تشكيل حكومة جنوبية ضرورة وطنية؟

السياسة - منذ 26 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص

في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها شعب الجنوب، تكشف المعلومات من داخل الأجهزة المالية لما تُسمى بالحكومة الشرعية عن حجم خطير من الفساد والعبث الممنهج، وفي مقدمتها النفط، التي لا تُستثمر في خدمة المواطن الجنوبي، بل تُوجه نحو تغذية شبكة من النخب السياسية والإعلامية والدبلوماسية المرتبطة بالمركز الشمالي، بما يعكس استمرارية العقلية الاحتلالية ذاتها ولكن بغطاء جديد.

وفقاً لما ورد عن حسابات وموازنة رئاسة الوزراء، تُصرف شهرياً ملايين الدولارات من نفط الجنوب، على شكل "كشوفات إعاشة" بالدولار لمئات من المسؤولين الشماليين واتباعهم والمقربين منهم، بينما يعيش المواطن الجنوبي في ظل غياب شبه كامل للخدمات، وانقطاع المرتبات، وتدهور غير مسبوق في العملة المحلية.

المبالغ المصروفة لا تقتصر على رواتب كبار المسؤولين فقط، بل تشمل أيضاً مستشارين وسفراء وأبناء نافذين وإعلاميين وموظفين في الحكومة، ضمن شبكة امتيازات بالدولار تتراوح بين 2500 و7000 دولار شهرياً للفرد. هذا يحدث في وقت لم يعد فيه المواطن الجنوبي قادراً على شراء احتياجاته الأساسية، وتُغلق المستشفيات أبوابها لغياب التمويل، وتغرق المدارس في عجز إداري وتعليمي.

اللافت أن هذه الأموال تُنهب من ثروات الجنوب دون أي مقابل خدمي أو تنموي، بل على العكس، يجري استخدامها كأداة لتثبيت نفوذ سياسي يمني لا يعترف بحقوق شعب الجنوب ولا يملك أي مشروع فعلي لبناء الدولة أو تحسين حياة الناس.

الإعلام، الذي يفترض أن يكون أداة رقابة ومساءلة، هو الآخر مدمج في هذه الشبكة للشرعية، حيث يُدرج المئات من الإعلاميين في كشوف الإعاشة، ما يجعل من الصعب توقع أي دور نقدي حقيقي منهم تجاه شرعية الفساد اليمني في الحكومة.

ما يتكشف يوماً بعد آخر هو أن ما تُسمى "الشرعية" ليست سوى غطاء سياسي لاستمرار منظومة فساد قديمة بثوب جديد، تستخدم اسم الشرعية لتبرير سطوتها على ثروات الجنوب وإقصاء شعبه من حقوقه الأساسية في الادارة والثروة.

في ظل هذه المعطيات، يصبح من غير المنطقي أن يستمر شعب الجنوب في الرهان على مخرجات هذه المنظومة أو انتظار إصلاحها من الداخل، فهي لم تُبنَ لخدمة الجنوب بل لاستغلاله. وبالتالي، فإن الاتجاه نحو إقامة حكومة جنوبية أو على الأقل إدارة ذاتية فعلية، لم يعد خياراً سياسياً بل ضرورة وطنية لحماية ما تبقى من موارد الجنوب وكرامة شعبه.

لم يعد بالإمكان الاستمرار في قبول واقع تُنهب فيه الثروات من الأرض الجنوبية بينما يُترك المواطن الجنوبي فريسة للجوع والعطش والمرض، وتُحرم مؤسسات الجنوب من أي سلطة مالية أو إدارية فعلية. إن تشكيل حكومة جنوبية مستقلة قادرة على إدارة مواردها، ورقابة أدائها، وتوجيه العائدات نحو الخدمات والتنمية، هو المسار الوحيد لضمان كرامة الإنسان الجنوبي وحقوقه الأساسية.

الواقع يفرض اليوم إعادة بناء المعادلة من جديد: من لا يملك قراره المستقل ولا يتحكم في موارده بعيداً عن العبث اليمني، لن يكون بمقدوره بناء مستقبله. ومن هنا، فإن كل المعطيات تؤكد أن الجنوب بحاجة عاجلة إلى إدارة سياسية واقتصادية جنوبية مستقلة، ترعى مصالح الشعب، وتتصدى بفعالية لمنظومة النهب والفساد التي تقف حجر عثرة أمام أبسط تطلعاته، وابرزها الخدمات الاساسية.

فيديو