تحليل: حياة في مقصلة الموت.. مأساة الناس تحت قبضة الحوثي

دراسات وتحليلات - منذ 1 يوم

عين الجنوب|| خاص :
في عمق الجغرافيا، وتحديدًا في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، يعيش الناس تحت وطأة معاناةٍ متشابكة، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية بالسياسية، وتذوب أحلام البقاء في دوامة الفقر والحرمان. هناك، باتت الحياة اليومية أشبه برحلةٍ محفوفة بالموت، ليس في ميادين القتال فحسب، بل في البيوت والطرقات والجبال، بحثًا عن لقمة عيشٍ أو بصيص أملٍ ضائع.

منذ أن فرضت الجماعة سيطرتها على مؤسسات الدولة، لم تَعُد للمواطن اليمني أبسط مقومات العيش الكريم. توقّفت الرواتب، وانعدمت الخدمات، وتهاوت منظومة التعليم والصحة إلى أدنى مستوياتها. فلا مستشفيات تستقبل المرضى، ولا مدارس تؤوي التلاميذ، ولا ماءً نظيفًا، ولا كهرباء، ولا عمل. كل شيء بات مسيطرًا عليه من قبل الجماعة، التي حولت موارد الدولة إلى جيوب خاصة تخدم مشاريعها الطائفية وحروبها المستمرة.

في المقابل، ينعَم أبناء السلالة الحوثية برفاهيةٍ فارهةٍ وسط بحرٍ من البؤس. يعيشون في الفلل الحديثة، ويتنقلون بسياراتٍ فخمة، ويمتلكون أرصدة مالية بملايين الدولارات — تلك الدولارات ذاتها التي تملأ شعاراتهم بالصراخ ضدها: الموت لأمريكا، بينما هي وقود رفاهيتهم ووسيلة سلطتهم.
أما عامة الشعب، فليس لهم من الحياة نصيب إلا ما تبقّى من فتاتٍ لا يسد رمق الجوع، ولا يروي عطش الكرامة.

في ظل هذا الواقع، تحولت المعاناة إلى قدرٍ يومي. الآلاف أغلقوا محلاتهم بعد أن أثقلت كاهلهم الجبايات والضرائب غير القانونية التي تُفرض قسرًا تحت مسمياتٍ دينية ووطنية زائفة. فكل شيء له ضريبة، وكل رزقٍ مراقَب، وكل أنفاسٍ محسوبة.
الكلمة مصادرة، والرأي جرم، والاعتراض خيانة، فيما تمتلئ السجون بالمئات من المعلمين والناشطين والمواطنين العاديين الذين طالبوا فقط بحقهم في العيش الكريم.

وتنعكس هذه المأساة بوضوح في قصةٍ موجعةٍ من محافظة حجة، شمال اليمن، حيث رضوان العجري، أبٌ لأربعة أطفال، خرج ذات يومٍ بعد أن أنهكه الجوع وأرهقته الحاجة، باحثًا عن لقمةٍ تسد رمق أسرته. لم يجد عملًا، فاختار أن يحفر بين الصخور بحثًا عن الذهب، أو عن أي موردٍ يعيد له الأمل.
لكن الأقدار كانت قاسية؛ إذ انهارت عليه كُتلة صخرية ضخمة، لتطوي قصته كما تطوي الجماعة يوميًا قصص آلاف اليمنيين المقهورين، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لبحثٍ بائسٍ عن الحياة.

لم تكن قصة رضوان استثناءً، بل مشهدًا مكررًا في مناطق مختلفة من البلاد.
فبين الجبال والمناجم والطرقات، يموت العشرات بحثًا عن لقمةٍ أو فرصةٍ في زمنٍ صادر فيه الحوثي حتى الهواء الذي يتنفسه الناس.

موتٌ في الجبهات، وموتٌ في المنازل جوعًا، وموتٌ بين الصخور بحثًا عن سرابٍ من ذهب.

لقد احتكرت جماعة الحوثي كل ما يرمز إلى الحياة: المال، السلطة، السلاح، الإعلام، وحتى العقيدة.
جعلت من الوطن ملكية خاصة، ومن الشعب أدوات طيّعة لمشروعها السلالي الممتد من كهف التاريخ إلى حاضرٍ مظلم.
تتحدث عن العدالة وهي تمارس أبشع صور الإقصاء، وتدّعي الزهد وهي تغرق في بحار الثروة والفساد، وتزعم تمثيل الله في الأرض بينما تقتل عباده جوعًا وقهرًا.

اليوم، بعد تسع سنواتٍ من سيطرة الجماعة، تتعمّق المأساة في المجتمع الواقع تحت سيطرة المليشيات الحوثية ، وتتآكل الطبقة الوسطى، وتُدفن الأحلام تحت ركام الحرب والظلم.
المدارس تحولت إلى ثكنات، والمساجد إلى منابر تعبئة، والمستشفيات إلى مراكز جباية.
حتى الموت لم يعد نهاية مأساوية، بل أصبح جزءًا من دورة حياةٍ مكرّرة لا فكاك منها.

إن ما يحدث في مناطق سيطرة الحوثي ليس مجرد أزمة معيشية، بل مشروع تجويعٍ ممنهج يستهدف تركيع الناس، وتحويلهم إلى أدواتٍ تابعةٍ لا تملك قرارها ولا رغبتها.
كل من يريد لقمة عيشٍ عليه أن يحمل السلاح، وكل من يطلب حقه في الحياة يُتهم بالعمالة، وكل من يرفع صوته يُكمم بالسجن أو الرصاص.

فيديو