صلاح بن لغبر

بين صنعاء ودمشق بعد الفُندق عن الخندق

مقالات - منذ 3 أيام

تفاءل كثيرون، خصوصًا من سكان الفنادق، بأن سقوط نظام الأسد في دمشق قد ينسحب سريعًا على صنعاء. هذه الأمنية الرومانسية، التي تكاد تُشبه حلمًا ورديًا، لا يبدو أنها تملك أي سند واقعي. لماذا؟ لنستعرض الأمر:

أولًا: تفاصيل الصفقة التي جعلت إيران تقف متفرجة على سقوط الأسد لا تزال مجهولة. صحيح أن وزير خارجية تركيا لمح اليوم إلى اتفاق ما مع طهران، لكن الواقع يشير إلى أن إيران ربما انحنت مرحليًا لمخطط تصفية أذرعها القريبة من إسرائيل. هذا لا يعني بالضرورة أن انحناءها سيطال اليمن البعيدة أو حتى العراق القريبة. ففي العراق، رأينا مليشيات إيران تعمل بلا قلق والإسرائليي لا يتعرض لها ، ورأينا الضربات الأميركية على الحوثيين (الحنونة) وكأنها مجرد “تنبيه” خفيف لا أكثر، وهذا يعني أن مسألة اليمن لا تزال مجرد ورقة لمساومة إيران .

ثانيًا: 
خارطة الطريق اليمنية كما هي 
فلم يتغير شيء في محاولات البحث عن حل سياسي، فالمفاوضات ما زالت تدور حول كيفية إرضاء الحوثيين لإشراكهم في صفقة تحفظ ماء وجه “الشرعية”. المشكلة أن ماء الوجه هذا قد نضب منذ سنوات، ولا أحد يهتم، لكنهم ما زالوا يبحثون.

ثالثًا: التغيرات الجيوسياسية والتطورات في المنطقة ربما تصب في مصلحة الحوثيين أكثر مما يتوقع المتفائلون؛ فإيران، التي فقدت بعض سوريا الاستراتيجية ، قد تضاعف دعمها لصنعاء كتعويض؛ وحتى روسيا، المنهكة في ملفات أخرى، قد ترى في الحوثيين حليفًا جديدًا لتعزيز موقعها الإقليمي بعد خروجها المُذل من سوريا 

رابعًا: مع اقتراب عودة “رجل الصفقات” إلى البيت الأبيض، يبدو أن الوضع اليمني  سيصبح قابلًا للمساومة أكثر من أي وقت مضى.
فالرئيس المنتظر لا يبحث عن انتصارات عسكرية، بل عن اتفاقات مربحة، وقد يجد الحوثيون أنفسهم في وضع تفاوضي قوي إذا قدموا العرض المناسب لتهدئة البحر الأحمر.

خامسًا: الفرق بين دمشق وصنعاء
في سوريا، كانت هناك استعدادات هائلة منذ سنوات، وفصائل المعارضة تلقت تدريبات ودعمًا مستمرًا، واستغلت اللحظة المناسبة بدقة، حتى مع وجود قوة مثل روسيا على الأرض. أما في اليمن، فلا توجد سلطة “شرعية” مستعدة لأي شيء. أغلب وقتها يُصرف في تعيينات شكلية، حجز الفنادق، وكتابة البيانات والبيانات وإدراج الحناء والحلبة في قائمة اليونسكو ولا قائد يوحّد الناس، ولا خطط، ولا استعدادات. الفرق شاسع، يا سادة.

التغريدات لا تحرر الأوطان
أغلب من يُعبرون عن تفاؤلهم بسقوط الحوثيين هم مغتربون يتحدثون من منابر تويتر والفيسبوك؛ هؤلاء يطلبون من اليمنيين الذين يموتون جوعًا أن يقاتلوا بينما “يدعمونهم” بالتغريدات، لكن، لنكن صريحين، التغريدات لا تحرر الأوطان
الفعل الحقيقي يحدث على الأرض، والأرض، للأسف، خاوية إلا من الجوعى والمقهورين.

وأخيرلا يمكن إسقاط صنعاء بتفاؤل سكان الفنادق، ولا بهاشتاجات  تويتر  وما حدث في دمشق كان نتيجة عمل منظم، تضحيات، وتحالفات
أما اليمن، فغارق في فوضى لا نهاية لها، وأوهام الشرعية لن تصنع منه دمشق أخرى، ربما في أجيال قادمة؛ لكن ليست  هذه المرة .

فيديو