صالح علي الدويل باراس

“صنمية ” الوحدة اليمنية : تجاهل التاريخ والجغرافيا

مقالات - منذ 4 ساعات

نجد أن معظم اليمنيين ممن يحاولون الظهور بمظهر العقلانية فيما يكتبونه أو يصرّحون به عن التسوية، لا يناقشون الجذور التي أوصلت إلى الحرب بشكل موضوعي ودقيق يستوعب أبعادها السياسية والجغرافية والتاريخية، ولا يواجهون حلولها بموضوعية؛ بل يزدردون ذات اللغة التوسعية بالقولبة المعتادة: “الحل في وحدة اليمن” وربطها بالمرجعيات الثلاث، التي لو كانت حلًّا لما وقع الانقلاب والحرب ثم التدويل، ولما ظلّت الحالة تراوح في مربع اللا حسم.

ولو احتكموا للموضوعية لأدركوا أن الوحدة حديثة عهدٍ جغرافيًا وتاريخيًا، وأن محاولات النخب في البلدين لتحقيقها بتجاهل الحقيقة التاريخية والجغرافية حوّلتها إلى ضمٍّ وإلحاق للجنوب، فتحولت من أزمة إلى قضية، وأي حل للحرب لن يتحقق ما لم يُوضع حلٌّ عادل لها.

 
الجنوب يقف اليوم أمام مفترق طرق، وله مشاكله وهمومه ومعاناته، وكذلك انقساماته التي قد تكون ناتجة عن خلل ذاتي في نُخبه، وتغذيها توازنات إقليمية ودولية تضغط بها، مع حصار خانق فوق طاقة الشعب الجنوبي. لكنها ليست “من أجل الوحدة” كما تريد نخب اليمن ــ إلا من نزرٍ يسير ــ تصويرها، بل سيظلّ الجنوب طرفًا رئيسيًا له قضيته الوطنية، إذا ما أُريد حل حقيقي لهذه الحرب.


انقلاب الحوثي أعاد فرمتة الحقيقة التاريخية في اليمن بمزيج أكثر تطرفًا من الزيدية التاريخية، فقبلتها ثقافة الصنمية اليمنية أمرًا واقعًا، بل شريكًا وطنيًا ــ يستجدون رضاه لو تنازل وقَبِل ــ لأنه جزء من تاريخهم وجغرافيتهم. أما موضوع الجنوب، فالكل يصدر بصوت واحد أن المساس بالوحدة اليمنية خيانة، لأنه يعيد فرمتة ثقافة حدّ السيف التوسعية بلغة معاصرة. ولو احتكموا للتاريخ والجغرافيا لوجدوا أن جغرافيا الزيدية محدّدة تاريخيًا وجغرافيًا ومذهبيًا، وأنهم أطلقوا على جغرافيا وشعب غيرهم وصف “كفّار تأويل”.


كان آخر تحديد لذلك في اتفاق دعّان بين الإمام يحيى حميد الدين ممثل الزيدية، وممثل الحكومة العثمانية، الذي أقرّته تركيا بفرمان سلطاني عام 1913م، والذي حدّد جغرافية الطائفة وإدارة شؤونها. ثم أضافت لها التوسعية الزيدية حقوقًا تاريخية اكتسبتها بحدّ السيف، وهي معروفة تاريخيًا وسياسيًا.

وفي المقابل، سار التطور التاريخي في الجنوب العربي بمسار مختلف تمامًا عمّا سار عليه في اليمن. لكنها ثقافة الصنمية التي تضغط كل شيء داخل صنمية الوحدة اليمنية؛ حتى حقائق التاريخ والجغرافيا لا يعترفون بها، بل يضعونها في خانة “المؤامرة على الشعب اليمني والوحدة اليمنية”.

19 نوفمبر 2025م

فيديو