العراق .. من سينتصر في معركة الدولار والدينار؟

تقارير - منذ 1 سنة

العراق .. من سينتصر في معركة الدولار والدينار؟ تقرير - محمد مرشد عقابي   [caption id="attachment_9167" align="alignnone" width="300"]العراق العراق[/caption] أتخذ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال الإيام القلائل الماضية جملة قرارات وإجراءات للحد من ارتفاع قيمة الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي في الأسواق العراقية، ومنع تدهور الاوضاع الاقتصادية للبلد نتيجة ذلك، وما يمكن أن يترتب على ذلك الارتفاع من تبعات سياسية تقوض الاستقرار وتعيد مشهد الإرتباك والإضطراب الذي ألقى بظلاله الثقيلة على الشارع العراقي في الجزء الأكبر من العام الماضي. ومن بين القرارات والإجراءات التي اتخذها السوداني، إعفاء محافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب مخيف وتعيين محافظ البنك السابق علي العلاق، وإحالة مدير عام المصرف العراقي للتجارة (TBI) الذي يعد احد أكبر المصارف الحكومية، سالم الجلبي على التقاعد، وتعيين الخبير المالي بلال الحمداني بدلاً عنه إلى جانب جملة إجراءات أقرها مجلس الوزراء بالاجماع، تتعلق بتسهيل وتسريع التعاملات المصرفية، وزيادة عدد منافذ بيع العملة الصعبة (الدولار) للمواطنين وبأسعار مدعومة، وتقديم التسهيلات المالية والمصرفية للتجار، لاسيما الصغار منهم، وتقليص الحلقات الإدارية ذات الطابع البيروقراطي الرتيب، التي تتيح عمليات التلاعب والفساد والاحتكار. وشن جهاز الأمن الاقتصادي في وزارة الداخلية العراقية قبل عدة أيام حملات في بعض من أسواق بيع وتداول العملات (البورصات) في العاصمة بغداد، واعتقل عدد من المضاربين والمتلاعبين بالأسعار، وعقب ذلك أرتفع الدولار مقابل الدينار إلى مستويات قياسية خلال فترة زمنية قصيرة جداً، ليتبعه أرتفاع واضح في أسعار السلع والبضائع الأساسية المختلفة، وخصوصاً ذات الاستهلاك اليومي، وبحسب مراقبين، فقد ساهمت القرارات والإجراءات المتخذة بتراجعه بشكل طفيف، مع وعود وتعهدات قطعها محافظ البنك المركزي الجديد بإعادة خفض قيمة الدولار خلال وقت قصير، وبالتالي عودة الاستقرار الى السوق. ويتساءل الشارع العراقي، عن الأسباب والعوامل والظروف المختلفة التي أدت إلى ذلك الإرتباك، دون استبعاد فرضية النوايا المبيتة والإجندات المخطط لها، حيث يؤكد الكثيرين بإن من الطبيعي أن تتوجه أصابع الإتهام إلى الولايات المتحدة الأميركية، لانها ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين في ربيع عام 2003، باتت تتحكم بمختلف مفاصل الدولة العراقية، وخصوصاً المالية والاقتصادية منها، ولعل أبرز وأوضح دليل على ذلك، هو أنه ومنذ عشرين عاماً، تودع عائدات النفط العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ضمن حساب خاص أطلق عليه صندوق تنمية العراق (DFI)، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1483 والصادر في الثاني والعشرين من آيار - مايو 2003، وتدفع منه التعويضات المستحقة لدولة الكويت، وعموم التحويلات والإنفاقات المالية منه تخضع لإشراف ورقابة الاحتياطي الفيدرالي. وأرتفعت، قبل أعوام، أصوات شعبية وبرلمانية تطالب بتحرير الأموال العراقية وإنهاء الهيمنة الأميركية عليها، إلا أن جملة من التجاذبات والإشكاليات السياسية والفنية حالت دون ذلك، رغم علان الرئيس الأميركي الأسبق نيته رفع الحصانة عن صندوق تنمية العراق في ذلك الحين، وطبقاً لمراقبين، فإن الملف الأمني العراقي لطالما ظل خاضعاً ومرتهناً لحسابات وأشنطن السياسية، فيما الملف المالي هو الآخر بقي كذلك، ولم تكن الأخيرة بعيدة عن الصعود المفاجيء للدولار، وهذا ما كشفه بعض البرلمانيين وخبراء المال والاقتصاد، اذ أكد النائب مصطفى سند اوآخر الشهر الماضي، "إن صعود الدولار هذه الأيام هو بسبب إيقاف تحويل استحقاق العراق من الدولار من قبل الفيدرالي الأميركي لغرض الابتزاز السياسي والتفاهم". وأصدر البنك المركزي العراقي، قراراً يقضي بمنع أربعة مصارف أهلية من التعامل بالدولار لأغراض تدقيقية، وهي مصرف الأنصاري الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف القابض الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف آسيا العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف الشرق الأوسط العراقي للاستثمار، وتذهب بعض التحليلات إلى أن القرار المذكور جاء بضغط وإيعاز من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والسبب الحقيقي هو وجود معلومات عن قيام المصارف الأربعة المشار إليها بتحويل مبالغ مالية إلى جهات وأشخاص مدرجين في القوائم الأميركية السوداء المشمولة بالعقوبات، وهذه الجهات اما إيرانية أو إنها مرتبطة بإيران. وفي هذا السياق، حاولت السفيرة الأميركية في العراق الينا رومانوسكي التخفيف من وقع وحدة الأنباء المتداولة عن دور حكومة بلادها في تقلبات وتذبذب الاسعار بين الدولار والدينار العراقي، قائلة في آخر تصريح لها، "أن الولايات المتحدة لا تضع ولا تحدد سعر التصريف بين الدولار والدينار، وإنها لم تفرض عقوبات جديدة على مصارف في العراق، بل تواصل آلية استغرقت عدة سنوات لتقوية القطاع المصرفي العراقي لمساعدته على الإمتثال للنظام المصرفي العالمي، وضمان منع إستعمال النظام المصرفي لغسيل أموال الشعب العراقي وتهريبها إلى خارج العراق"، وتضيف رومانوسكي، "أن هذه الإجراءات بدأت قبل سنتين بتطبيق تدريجي من قبل المصارف العراقية، وفق اتفاق بين البنك الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي العراقي، وإن تلك الإجراءات مصممة لمنع وتقييد غسيل الأموال، وإن تعليقها أو تأجيلها يؤدي إلى العودة بالمنظومة إلى الوراء"، وتؤكد، "ركزنا على ملف الفساد في العراق، وما حصل كان مصادفة مع تسلم السوداني للسلطة". ويصف المحللين، كلام السفيرة الأميركية بالواضح، وهو إقرار واعتراف صريح بهيمنة وسطوة وأشنطن على الملف المالي العراقي، وإلا ما هو الغطاء الشرعي والقانوني الذي يتيح لها التدخل وفرض السياقات والإجراءات التي تراها وتقرر ما الذي تطبقها فيه، وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وأضحاً جداً، حينما أكد في تصريحات إعلامية، "أن أزمة الدولار مرتبطة بمخالفات، منها التهريب والتلاعب من قبل بعض المصارف والتجار، وأن الحل الوحيد للأزمة هو التفاهم مع الجانب الأميركي .. إذ أن أميركا تستخدم الدولار كسلاح وهي تراقب الوضع في العراق". وعلى ذات الصعيد، نقلت وسائل إعلام غربية، عن مسؤولين أميركان تأكيدهم إن النظام المصرفي المزمع العمل به من قبل البنك الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي العراقي، يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولارات إلى طهران ودمشق وملاذات غسل الأموال في أنحاء الشرق الأوسط، وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت قبل عدة أعوام حزمة عقوبات على مصارف أهلية عراقية تحت ذريعة تقديمها تسهيلات للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني المصنفان كمنظمات إرهابية على لائحة العقوبات الأميركية. وتسعى وأشنطن، لمساعدة العراق ووضع حد لعمليات التهريب والفساد عبر بناء نظام مصرفي رصين، في حين يتهمها البعض بلعب الدور الكبير في عملية تبديد مليارات الدولارات من أموال العراق، حيث إنها كانت تعلم جيداً الجهات التي تقف خلف ذلك، وتعلم أيضاً حركة الأموال المنهوبة وطرق غسيلها، إلا إنها غضت الطرف والتزمت الصمت ولم تحرك ساكناً، لأن ذلك لم يكن يتعارض مع حساباتها ومصالحها من جانب، ومن جانب آخر لايعود بالنفع على خصومها واعدائها في المنطقة. ووفقاً لمراقبين، فإن كلام السفيرة الأميركية لايحتمل الكثير من التأويل والتفسير بشأن تورط بلادها في الارتباك الكبير الذي تعرض له العراق مؤخراً جراء ارتفاع قيمة الدولار، وإدعائها بأن تزامن تفعيل إجراءات التدقيق والمراقبة المالية مع الفترة الأولى لتولي السوداني رئاسة الوزراء كان محض مصادفة، ولايمكن لهذا الإدعاء الصمود أمام قراءات ومعطيات وحقائق تذهب إلى أن الإدارة الأميركية غير مرتاحة لبعض توجهات وسياسات وقرارات السوداني، رغم الإعلان عن دعمها ومساندتها له، لذلك فهي تحاول إشغاله بملفات جانبية بهدف تشديد الضغوط الداخلية عليه، وهذا ما يؤكده برلمانيون عراقيون، من أن وأشنطن تحاول ابتزاز السوداني من خلال العمل على إسقاط حكومته باستخدام أزمة الدولار في حال لم يتعاون مع الأهداف الأمريكية المعلنة في العراق. ويرى بعض الساسة وأصحاب الرأي، إن السوداني يواجه الآن تحدياً كبيراً في الحفاظ على التوازن في العلاقات العراقية مع كل الدول ويسير في الاتجاه الصحيح وتنسجم قراراته وخطواته وإجراءاته من حيث واقعيتها وأولوياتها مع طبيعة الأزمة والسبل الكفيلة لحلها ومعالجتها، وقد لاتستطيع الإدارة الأميركية أن تفرض وتقرر كل ما تريده وترغب فيه طالما هناك رأي عام يتحرك وثقل سياسي كبير داعم للسوداني شعبياً وعلى نطاق اوسع تحالف إدارة الدولة الذي يضم قوى رئيسية من المكونين السني والكردي والتي وإن كانت ترتبط بعلاقات جيدة مع وأشنطن، إلا أنه ليس من مصلحتها أن تختلط الأوراق وتضطرب الاوضاع، سيما وإن التقاطعات والخلافات في داخل هذه المكونات يجعل قواها تحرص على السير والتحرك باتجاه تهدئة الأمور وحلحلة الأزمات وإحتواء التوترات في جميع الملفات.  

[عين الجنوب]

فيديو