الجنوب.. مفتاح السلام في الإقليم وتأمين الممرات البحرية الدولية

تقارير - منذ ساعتان

عدن، عين الجنوب | خاص:


في ظل التحولات العميقة التي تعيشها المنطقة، ومع ما يرافقها من صراعات سياسية وأمنية متشابكة، يبرز الجنوب كعامل حاسم في معادلة السلام الإقليمي وحماية المصالح الدولية. فالموقع الجغرافي الذي يمتد على واحد من أهم الشرايين البحرية في العالم، يمنح الجنوب دوراً لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات تخص الأمن والاستقرار، سواء داخل اليمن أو في محيطه الإقليمي والدولي. إن إشراف الجنوب على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، إضافة إلى سواحله الواسعة على بحر العرب وخليج عدن، جعله لاعباً رئيسياً في الحفاظ على أمن الملاحة الدولية، خصوصاً في ظل التهديدات المتصاعدة التي تمثلها الهجمات الإرهابية ومحاولات القرصنة التي تستهدف الاقتصاد العالمي.


وتدرك القوى الدولية اليوم أن أي زعزعة لأمن الجنوب ستنعكس مباشرة على خطوط التجارة الدولية، وعلى استقرار المنطقة بأسرها. فاستمرار تدفق السفن التجارية، ومرور الإمدادات الحيوية بين الشرق والغرب، يظل مرهوناً باستقرار المنظومة الأمنية التي تحمي الموانئ والمياه الإقليمية الواقعة ضمن نطاق سيطرة الجنوب. ومن هنا تتضاعف أهمية الاستقرار في هذه الرقعة الجغرافية التي تمثل نقطة ارتكاز للتجارة الدولية ومصالح الدول الكبرى.


ولم يكن الدور الجنوبي محصوراً في الجغرافيا وحدها، بل امتد إلى الميدان العسكري والأمني، حيث أثبتت القوات المسلحة الجنوبية خلال السنوات الماضية أنها شريك موثوق للمجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب. فقد تمكنت من دحر التنظيمات المتطرفة، وتفكيك خلايا القاعدة وداعش، وتأمين مناطق واسعة كانت تمثل بؤراً خطيرة لتلك الجماعات. ولم تقتصر هذه الجهود على حماية الداخل الجنوبي فحسب، بل أسهمت أيضاً في خلق مظلة أمنية أوسع تعزز الاستقرار الإقليمي، إذ إن القضاء على منابع الإرهاب في الجنوب يعني إغلاق أهم مسارات التهديد المتجهة نحو السواحل والممرات البحرية الدولية.


وفي خضم السعي الدولي لإيجاد تسوية سياسية شاملة في اليمن، أصبح من الواضح أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون الاعتراف بالدور الجنوبي وحقه في إدارة مساره السياسي. فالقضية الجنوبية باتت جزءاً أساسياً من أي رؤية دولية للحل، وأي تجاهل لها لن يؤدي إلا إلى تعقيد المشهد وإعادة إنتاج الأزمات. لقد أثبت الجنوب أنه قادر على إدارة الأرض وتأمينها، وحماية السكان، وإدارة مؤسساته بقدر كبير من المسؤولية، وهو ما جعل القوى الدولية والإقليمية توسّع شراكاتها معه باعتباره طرفاً محورياً في صناعة السلام المستدام.


ورغم التوترات المتصاعدة في المنطقة، ظل الجنوب نموذجاً للاستقرار النسبي، من خلال تمكّنه من تأمين السواحل والموانئ والممرات البحرية الدولية. فقد لعبت قواته البحرية والساحلية دوراً بارزاً في إحباط محاولات تهريب الأسلحة، ومكافحة التسلل، وضبط السفن المشبوهة، وهي جهود لاقت احتراماً وتقديراً دولياً، لأنها ترتبط مباشرة بأمن الاقتصاد العالمي. فالممرات البحرية ليست مجرد شأن محلي، بل قضية عالمية تتعلق بضمان سلامة خطوط الإمداد والتجارة الدولية.


وهكذا يتضح أن الجنوب ليس مجرد مساحة جغرافية، بل قوة جيوسياسية محورية تمثل صمام أمان للمنطقة والعالم. فمن دون استقرار الجنوب لن يستقر باب المندب، ولن تستقر حركة التجارة الدولية، ولن تنجح أي عملية سياسية في اليمن. ولذلك فإن الاعتراف بدور الجنوب وتمكينه من إدارة شؤونه وإشراكه في صياغة مستقبل البلاد ليست مطالب سياسية فحسب، بل ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الإقليمي والدولي. وستظل الحقيقة ثابتة مهما تغيّرت الظروف: الجنوب هو مفتاح السلام… ومفتاح أمن الممرات البحرية الدولية.

فيديو