القضية الجنوبية: مفتاح السلام واستقرار المنطقة

تقارير - منذ 1 ساعة

عدن||عين الجنوب || خاص:

في خضم التحولات السياسية والعسكرية المتسارعة التي يشهدها اليمن والمنطقة، تتواصل الجهود الدولية لإطلاق مسار سلام شامل ينهي الحرب الممتدة منذ أعوام. ورغم كثافة المبادرات واللقاءات والوساطات، إلا أنّ ثمة حقيقة جوهرية يتم تجاهلها أو القفز فوقها عمداً: لا يمكن لأي عملية سلام أن تنجح دون معالجة جذور الصراع، وأبرز هذه الجذور هو قضية الجنوب واستعادة دولته.

منذ العام 1990، الذي شهد إعلان الوحدة بين الشمال والجنوب، تراكمت الأزمات وتصاعدت التوترات نتيجة سياسات الإقصاء والاستحواذ التي مورست بحق الجنوب أرضاً وإنساناً ومؤسسات. ومع حرب صيف 1994 وما تبعها من ممارسات ممنهجة، وصلت العلاقة بين الطرفين إلى مستوى القطيعة السياسية والاجتماعية، قبل أن تأتي حرب 2015 لتكشف بصورة أكثر وضوحاً استحالة استمرار الوضع ضمن إطار الوحدة المفروضة بالقوة.

ورغم التضحيات الهائلة التي قدمها الجنوب في مواجهة الإرهاب وميلشيات الحوثي، ورغم دوره المحوري في حماية الملاحة الدولية وتأمين الممرات البحرية، إلا أنّ المجتمع الدولي ما يزال يتعامل مع القضية الجنوبية باعتبارها ملفاً مؤجلاً أو قابلاً للمساومة السياسية، متجاهلاً أن الجنوب اليوم يمتلك مؤسسات، وقوات أمنية وعسكرية، وهيئات سياسية قادرة على إدارة دولة مستقلة تتماشى مع الواقع الجديد على الأرض.

إنّ أي سلام حقيقي يجب أن يكون مستداماً. والسلام المستدام لا يُبنى على أنصاف الحلول ولا على تسويات هشة تُبقي جذور النزاع قائمة. فمن غير المنطقي افتراض إمكانية إنهاء الحرب دون إعادة صياغة شكل الدولة بما يتوافق مع تطلعات ملايين الجنوبيين الذين يطالبون باستعادة دولتهم. وهذا ليس مطلباً سياسياً فحسب، بل هو حق تاريخي وواقعي يحمي الاستقرار الإقليمي ويضمن بناء شراكات متوازنة.

لقد أثبت الجنوب خلال السنوات الماضية أنّه شريك موثوق، قادر على ضبط الأمن وتوفير بيئة آمنة للموانئ والممرات البحرية، وأكثر الأطراف التزاماً بمحاربة الإرهاب، كما أثبت أنه قوة إقليمية صاعدة في معادلة الأمن البحري. وهو في الوقت نفسه طرف يمتلك رؤية سياسية واضحة لمستقبله، تستند إلى استعادة الدولة الجنوبية وبناء علاقات ندّية متوازنة مع الجوار والمجتمع الدولي.

إنّ أي تجاهل لهذه الحقيقة سيقود إلى إعادة إنتاج الأزمة ذاتها، وربما إلى صراعات جديدة أكثر تعقيداً. أما الاعتراف بحق الجنوب في استعادة دولته، فهو الطريق الأقصر نحو بناء سلام عادل ودائم، يُفضي إلى دولتين مستقرتين، تتعاونان في محاربة الإرهاب، وتأمين الملاحة، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

اليوم، ومع انفتاح الأبواب أمام مسارات سياسية جديدة، تبدو الفرصة سانحة أمام المجتمع الدولي لتصحيح مسار سنوات من التجاهل. فإحلال السلام في اليمن لن يتحقّق بإغفال قضية الجنوب أو محاصرتها في هامش الاتفاقات، بل بتثبيتها في صدارة أي حوار أو تسوية. فالجنوب ليس طرفاً ثانوياً في المعادلة، بل هو جوهر الحل ومعادلة الاستقرار في المنطقة كلها.

ومثلما أثبت الجنوبيون قدرتهم على حماية أرضهم وبناء مؤسساتهم، فإنهم قادرون على تقديم نموذج دولة مستقلة، تنبذ التطرف، وتنسجم مع محيطها العربي، وتشكّل ركيزة أساسية من ركائز الأمن الإقليمي. أما أي محاولة لإعادة إنتاج معادلات الماضي فلن تؤدي إلا إلى تأجيج الصراع وتعقيد فرص الحل.

لذلك، فإنّ استعادة الجنوب لدولته ليست خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة إقليمية لضمان سلام طويل الأمد، وسيمثل الاعتراف الدولي بهذا الحق خطوة مفصلية نحو إنهاء مرحلة طويلة من الصراع وفتح صفحة جديدة من التعايش والاستقرار.

فيديو