نورا المطيري

فوضى وسقوط الإخوان.. في اليمن والسودان

مقالات - منذ 7 ساعات


في الخرطوم، تنفجر القنابل وتتساقط الأقنعة معا، أما في دارفور، فتتمزق الأرض تحت وقع خيانة مستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود..


المشكلة أن هوية المجرم معروفة للجميع، فمن لا يزال يجهل أن المسار الذي أوصل السودان إلى حافة الهاوية التي بلغها اليوم، قد حاولت جماعة الإخوان الإرهابية رسمه بفوضوية وعلى مراحل، كلها تخبط في تخبط.

وفوق كل هذه الفوضى والتخبط، نتابع مؤخرا باندهاش شديد، كيف يحاول إخوان السودان توجيه أصابع الاتهام نحو دولة الإمارات، في محاولة مضحكة تشبه محاولة ساحر فاشل، يريد السيطرة على وعي الناس وتركيزهم، بإحداث جلبة حول حدث وهمي آخر!!

المؤامرة تمضي على أكتاف ظاهرة الأسماء الممتدة منذ عقود، عبدالفتاح البرهان، وحسن الترابي، وعمر البشير، وكل من خدم مشروع الجماعة الإخوانية أو رعى تمكينها داخل السودان الشقيق الذي خضع ويخضع لحصار داخلي صلب، يستند إلى طعنة محلية غادرة تضاعفت حِدّتها على مدى ستة وثلاثين عامًا، بلا رأفة ولا شفقة من أكثر تنظيم إرهابي يدعي الإسلام، مثله مثل القاعدة وداعش، بل أشد نفاقا وانحرافا.

منذ انقلاب البشير عام 1989، بدأ التنفيذ الفعلي لمشروع اختطاف السودان وحصاره من كل زاوية ممكنة، المنابر التحريضية كانت المدخل، والمليشيات المسلحة مثلت أدوات السيطرة على الأرض. خطوط الدم التي امتدت من دارفور إلى جوبا، ومن الخرطوم إلى القضارف، حملت توقيع الجماعة في كل محطة، واختارت استخدام المعاناة كأداة لفرض الولاء.

بعد الانقلاب على الانقلاب، وقبيل عودة السودان لتصبح دولة مدنية، صعق إخوان السودان بالنتيجة، فسيطروا على الجيش ووضعوا مخالبهم في اعناق \"البرهان\" الذي استلم لمشيئتهم، استسلاما غير مفهوم، وبدأوا حربا على \"الأخضر واليابس\" منعا لصعود دولة مدنية، وحين تورطوا في الدم السوداني إلى أبعد الحدود، بصورة مبكية، وبدأ العالم كله يحاسبهم على فعلتهم، اختاروا سردية وحيدة هشة لم تجد لها قوى العالم أجمع سببا ولا دافع، راحوا يتهمون دولة الإمارات.

بالطبع كان ذلك موقفا قديما بين الإخوان في مصر وليبيا واليمن وغيرها، وتجدد حين تبنت الإمارات أيضا موقفًا صريحًا تجاه ما يحدث في السودان، حيث امتنعت عن دعم أي فصيل مسلح بشهادة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأعلنت من البداية أن الجيش والدعم السريع مشتركان في كل ما يحدث في السودان، وهذا الانحياز لصوت الشعب السوداني الجريح الذي يوائم القيم الإماراتية المعروفة، لكنه مثّل نقطة الاشتعال بالنسبة للإخوان، فاستمروا في غيّهم وانحرافهم ومحاولتهم تشتيت الانتباه عن جرائمهم البشعة.

وتابعنا كلنا ما حدث ويحدث في مجلس الأمن، حين تحدث الصوت الإماراتي بلغة واضحة أن السياسة الإماراتية قد التزمت بالمبدأ، ورفضت تجميل مواقف الأطراف المسلحة أو مداهنتها. السفير محمد أبو شهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة قالها مباشرة: \"الأطراف المتصارعة استبعدت نفسها من مستقبل البلاد\"، هذا التصريح صدر علنا كتشخيص سياسي دقيق للحالة الراهنة بدقة متناهية.

وأعلنت الإمارات مرارا أنها تبنّت خيار المدنيين، وتحركت بخطة عمل تستند إلى مبادئ واضحة، من خلال المجموعة الرباعية (الإمارات، مصر، السعودية، أمريكا) وتم طرح خطة واقعية تقوم على ثلاث خطوات: هدنة إنسانية، وقف إطلاق نار، انتقال سياسي شامل، ولكن المفاجأة غير المتوقعة أن تنظيم الإخوان الإرهابي قابل هذه الخطة بالتصعيد الفوري، فالمدعو أحمد هارون عاد للواجهة ببيانات تحريضية، وعلي كرتي استأنف قيادته للمواجهة السياسية، وانطلقت منصات التنظيم في حملة منظمة ضد الحلول المقترحة، ما هذا، ومن هؤلاء؟ أليس في السودان رجل رشيد؟

بكثير من الأسى والأسف وثقت البيانات الدولية خسائر تجاوزت 150 ألف قتيل، إضافة إلى جوع يهدد 25 مليون إنسان، ودمار في البنية التحتية تقدّره التقارير بقرابة 700 مليار دولار، إضافة إلى تهجير جماعي لثلث سكان السودان.

ووسط هذا المشهد، ومع هجمة الإخوان الشرسة فقد اختارت دولة الإمارات العمل الفعلي بدلا من الانخراط في الخطابات والرد والجدال العقيم مع من لا يفهم لغة الحوار، فأنشأت مستشفيات ميدانية وقدمت برامج دعم ميداني مباشر، وبقيت تحاول وتدفع نحو الحل السلمي بأي ثمن وطريقة.

ولكن في المقابل، قدم وفد السودان (المختطف) مرافعته بروح خطابية مأزومة، وفشل في تقديم أدلة حقيقية تدعم مزاعمه!! وظهر وجه السودان الطيب الواعي، عشرات آلاف من السودانيين تفاعلوا مع هاشتاغ #الإمارات_مع_السودان، مدفوعين بالشكر والامتنان لمواقف دولة قدمت لهم يد العون الحقيقية في وقت كاد فيه السودان أن يسقط، نشر معظم الفئات المثقفة من السودانيين تغريدات مؤثرة، ومقاطع فيديو توثق المستشفيات الميدانية، وصور طواقم الإغاثة، كلها كانت حاضرة لتفكيك سردية الإخوان الهشة.

الخيار الإماراتي، المنسجم مع الخيار الدولي، وخطة الرباعية، هو مسار استراتيجي لبناء الدولة على قواعد ثابتة. مدنيون، لا مليشيات. دولة وطنية، لا مشروع أممي ديني. تنمية واقتصاد واستقرار، بدلا من الخراب والعسكرة والانقسام، وهذا الخيار يتقاطع تمامًا مع جوهر المشروع الإخواني، الذي يستند إلى الهدم والتفكيك وابتلاع المؤسسات، لكن دولة الإمارات لا تعبأ بهجمة الإخوان، فالدولة القوية المناصرة للشعب السوداني تسير في اتجاه دعم دولة سودانية عربية مدنية حديثة، أما تنظيم الإخوان الإرهابي فيعمل على اختطافها وتسليمها إلى وكلاء الخارج، سواء عبر المنابر أو البنادق.

يتجاهل الإخوان أننا في الصحافة العربية عموما، ومنذ بدايات الربيع المشؤوم، قد كشفنا جميع مخططاتهم، ولم نجاملهم أبدا، وكان للشرفاء دور كبير في إسقاطهم المرة تلو الأخرى، في مصر أولا، ثم الآن في اليمن، حيث يعملون كما في السودان بالتآمر مع مجموعة الحوثي الإرهابية والفاسدين في الشمال لضرب استقرار الجنوب العربي ومنعه من استعادة دولته التي سرقتها الوحدة المشؤومة، وهي نسخة مشابهة ومتطابقة لما يفعله الإخوان في السودان بالتآمر مع الإرهابيين والفاسدين.

فيديو