اياد الشعيبي

النقاشات في مجتمع الفيسبوك ازدحام في الأصوات وفراغ في المعنى.

مقالات - 3 hours ago

النقاشات في مجتمع الفيسبوك تحوّلت اليوم إلى أشبه بمزرعة خاوية من أي قيمة فكرية أو علمية أو أدبية.

كأنها فضاء مليئ بالضجيج ولا يُنتج فكرة، ازدحام في الأصوات وفراغ في المعنى.


نعيش في الجنوب حالة انحدار سحيقة في صناعة الرأي، حتى غدت الساحة الإعلامية والفكرية مرتعًا لسطحية مؤلمة، حيث تتقدّم الأقلام الفارغة لتتصدر المشهد بوصفها نموذجا للتميز، بينما حقيقتها ليست سوى أدوات تُثير الفتنة، وتغذي الكراهية، وتُعمّق الانقسامات بين الناس. بينما تغيب العقول الوازنة والأصوات الحكيمة أو يتم تغييبها بفعل ثقافة \"القطيع\"، والأخطر بفعل تقدير الجهات النفعية وحتى السياسية أو من يمثلها لهؤلاء. 


هذه الأقلام لا تبني مجتمعا، بل تُشيّد جدرانا بين أبنائه؛ تُعلي من شأن العصبية القبلية والعائلية والذات على حساب القيم المدنية والإنسانية، على حساب الأمن والاستقرار، على حساب السلام والوطن والإنسان.


يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير: \"من الخطر أن تكون على حق عندما تكون الحكومة مخطئة\"، ونحن اليوم أمام خطر من نوع آخر؛ أن تكون عاقلا في زمن يقدّس الضجيج، ومخلصا في زمن يرفع المتلونين والمرائين.


أما نيتشه فعبر عن حال كهذه بما معناه: \"أحيانا يضع الناس قناع الفضيلة على وجوه خاوية كي لا يضطروا لمواجهة حقيقتهم.\"

وهذا ما نراه في كثير ممن يرفعون شعارات الفكر والنقد، بينما هم في جوهرهم عبيد لأهوائهم، لنزعتهم الذاتية، أو حتى لأسياد خفيين.


إن صناعة الرأي ليست ترفا ثقافيا، بل مسؤولية أخلاقية تتطلب وعيا وصدقا وشجاعة في قول الحقيقة، لا مجرد تراشق لفظي وسباق نحو الظهور. 


ولعل القول الكلاسيكي يلخص مأساة حاضرنا: \"قلة من الناس يفكرون، وكثيرون يظنون أنهم يفكرون.\"

فيديو