حرب الخدمات وسياسة التبرير والفشل بن مبارك والعليمي الى اين؟

تقارير - منذ 1 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص:

بناءاً على المعطيات الميدانية وتقارير دولية والرصد الإعلامي والحقوقي، يتضح أن حرب الخدمات في الجنوب لم تعد مجرد نتيجة لفشل إداري أو عجز مالي، بل باتت انعكاساً لصراع مركب يتداخل فيه السياسي بالاقتصادي، وتُستخدم فيه أدوات الدولة نفسها كالبنك المركزي، والمؤسسات الخدمية، وملف المشتقات النفطية كسلاح لإضعاف قوى جنوبية تسعى لتثبيت نفوذها وتقديم نموذج بديل عن الحكومة المعترف بها.

في هذا السياق، يُلاحظ أن المجلس الانتقالي الجنوبي، رغم سعيه لاحتواء الانهيار الخدمي او حتى ايجاد بدائل، يصطدم بجدران من العراقيل التي تصدر من مؤسسات تدار إما من خارج العاصمة عدن أو تُستخدم فيها شبكة نفوذ غير خاضعة للإرادة المحلية. فعلى سبيل المثال، قرارات ضخ السيولة، تنظيم استيراد الوقود، توجيه الإيرادات العامة، وتحديد أسعار الصرف والتحويلات، كلها تتم من خلال منظومة مركزية يسيطر عليها تيارات يمنية من داخل الحكومة ومحيط رئاسة مجلس القيادة، في ظل غياب الشفافية والمحاسبة.

منذ توقّف تصدير النفط تخادمت فيه الميليشات الحوثية والنخب اليمنية في إستهداف منشآت حيوية، أصبحت عوائد النفط وهي المورد الأهم للحكومة محط تفاوض ومساومة وصفقات ومحاولات للهيمنة أكثر من كونها أداة استقرار اقتصادي. وفي الوقت نفسه، لم تُفعَّل بدائل حقيقية، بل وُجّهت مؤسسات مثل البنك المركزي بعدن التي تخضع لنفوذ قوى يمنية، مما أدى إلى تضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية، الأمر الذي انعكس على أسعار الخدمات والسلع الأساسية.

وبينما يُحمّل بن مبارك مسؤولية التدهور للفساد، يتبادل العليمي الاتهامات مع بن مبارك الذي يقدّم خطاباً تقنياً يفتقر للرؤية، لكن تظل حقيقة الصراع في أن هناك من يدير هذه الأزمة بهدف ضرب الشعب من الداخل، عبر إنهاك بيئته المحلية وتفجيرها بالأزمات الخدمية. وتشير تقارير عدة إلى أن غياب الشفافية حول حجم الإيرادات، وآلية توزيع الدعم الدولي، يؤكد وجود قوى تُبقي الجنوب تحت ضغط معيشي يمنعه من الاستقرار أو تقديم نموذج إداري مستقل يخدم مصالح الشعب.

الانتقالي، من جانبه، أنشأ لجاناً للطوارئ، وعقد اجتماعات طارئة، واتخذ قرارات لتحسين خدمات الكهرباء خصوصاً في الصيف الحالي منها ايجاد بدائل إلا أن هذه الجهود تصطدم بمنظومة تتحكم بمفاصل القرار الاقتصادي، كما حصل في تأخير ضخ المشتقات أو تعطيل صرف مخصصات التشغيل، أو حتى التأثير على قرارات البنك المركزي من خلال وكلاء يتبعون نخباً يمنية داخل الحكومة.

تقرير صادر عن خبراء مستقلين في الأمم المتحدة اتهم الحكومة اليمنية بغسل الأموال والفساد، مما أثر سلباً على وصول الغذاء الكافي للسكان.

أيضاً تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن النظام الصحي يواجه خطر الانهيار، حيث أن 46% من المرافق الصحية تعمل جزئياً أو خارج الخدمة بسبب نقص الكوادر والتمويل والأدوية.

كما اظهرت تقارير منظمة الشفافية الدولية ان اليمن منذ تأسيس مجلس القيادة يحتل مرتبة متدنية في مؤشر مدركات الفساد، حيث حصل على 16 نقطة من أصل 100، مما يضعه في المرتبة 176 من بين 180 دولة . كما أن تقرير مراكز دراسات إستراتيجية اشارت إلى أن قطاع الكهرباء، الذي كلف 2.27 مليار دولار في عام 2022، يُعتبر ثقب أسود يبتلع الأموال العامة بسبب الفساد، وفي نفس السياق تشير تقارير إلى أن الفساد داخل الحكومة اليمنية في العاصمة عدن هو عامل رئيسي في فقر السكان وانهيار اقتصاد البلاد وخدماتها وعملتها.

هذه التقارير الدولية تؤكد أن التدهور في الخدمات الأساسية ليس نتيجة لعوامل خارجية فقط، بل هو نتيجة لصراع نفوذ يستهدف الجنوب عبر حرب خدمات وفساد بنيوي يعوق تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. لذلك، فإن تبادل الاتهامات بين بن مبارك والعليمي لا يُعد حلاً، بل اسلوباً مرحلي للإستمرار في حرب الخدمات والازمات المفتعلة، بدلاً من التركيز على إصلاحات جذرية ومساءلة حقيقية لضمان تحسين الخدمات وتحقيق الاستقرار.

في المحصلة، حرب الخدمات لم تعد مجرد فشل في الإدارة، بل تحولت إلى سلاح سياسي، يُستخدم ضد الجنوب لإرباكه داخلياً، ويجري تبريرها تحت مصوغات درجت عليها عادة المسؤولين، فيما لا توجد أي محاسبة فعلية لمن تسبب أو يساهم في هذه الأزمات المفتعلة. إن كشف هذا الواقع لا يتم عبر تبادل الإتهامات، بل يحتاج إلى ضغط شعبي ومؤسسي لفتح ملفات الفساد والتحكم الاقتصادي، ووضع المؤسسات السيادية تحت رقابة مستقلة خاضعه لإدارة جنوبية تكون على مسؤولية كاملة امام شعبها.

فيديو