الاخوان: عندما تصبغ السياسة بالدين، تختلط المصالح بالارهاب والتطرف والاختراق المؤسساتي

تقارير - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص


في قلب الصراع الدائر حول الأيديولوجيا والدين والسياسة، يبرز تنظيم الإخوان المسلمين كأحد أكثر التنظيمات إثارة للانقسام والاضطراب في العالم العربي، لا بسبب خطابها المعلن فحسب، بل لأن بين ظاهرها وباطنها فجوة واسعة يصعب ردمها. فبينما تُقدّم نفسها كمدافع عن الدين، وحامل لمشروع العدالة والحرية والفكر التنويري الذي يخرج الناس من الظلمات حد زعمهم، فإن الوقائع والتجارب أثبتت أن كثيراً من شعاراتها لم تكن سوى واجهات براقة تخفي خلفها منظومة معقدة خافية من السيطرة، والتغلغل، وإعادة هندسة الدولة لخدمة مصالحها التنظيمية قبل الوطنية.

كلام الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، جاء كاعتراف تاريخي صادر من مؤسسة عريقة قاومت بشراسة محاولات تطويعها. الإخوان، حسب ما أكده الإمام، لم يأتوا إلى الأزهر بوصفه مؤسسة علمية أو مرجعية دينية مستقلة، بل بوصفه غنيمة استراتيجية ينبغي إسقاطها ضمن ثلاثية السيطرة: مشيخة الأزهر، ورئاسة الجامعة، ودار الإفتاء. كانت الخطة واضحة، والسيطرة على الأزهر لم تكن من أجل النهوض به، بل لتحويله إلى ذراع فتاوى يضفي الشرعية على سياسات الجماعة، ويُخمد الأصوات النقدية التي قد تعارض رؤيتهم. لكن الأزهر قاوم، لا بإعلام مضاد، بل بثقله التاريخي وهيبة علمائه، في وقت كانت فيه مؤسسات أخرى تتهاوى أو تصمت.

أما في السودان، فقد تكشّفت التجربة بشكل أكثر حدة. الحركة الإسلامية هناك، والتي نحتت نفسها على نهج الإخوان، امتلكت الدولة، لا فقط الحزب. الإعلام، في عهدهم، لم يكن مجرد قناة لإيصال الرسائل، بل صار أداة سيطرة ذهنية ومنبراً لتقديس الولي وفرض الطاعة باسم الدين. الصحف الورقية جُيّرت، المحطات الإذاعية أُخضعت، وحتى الفضاء الرقمي خضع لمحاولات الاختراق والمطاردة. لكن المفارقة الكبرى ظهرت في مقاومة هذا النموذج عبر الإعلام المستقل. وفقاً للكاتب السوداني خالد أبو أحمد، فإن المواقع الرقمية المستقلة لعبت دوراً محورياً في فضح فساد الإسلامويين وكشف ازدواجية خطابهم، ليس عبر صراع سياسي فقط، بل بإعادة الكلمة الحرة إلى مكانها الطبيعي كمرآة للشعوب، لا كصدى للولاية الاخوانية.

على مستوى جنوب اليمن، ورغم الرفض الشعبي لهم. اخترقوا المؤسسات، من وزارة المالية الى البنك المركزي، ووزارات حيوية وهامة، كالتعليم والصحة والطاقة، وفيه تورطوا في عقود فساد، عرقلوا دفع الرواتب، عطلوا ميزانيات الكهرباء والتعليم والصحة، تلاعبوا بالصرف، كل هذا من اجل اخضاع شعب كامل لتنظيمهم.

وفي هذا السياق، يصبح من الواضح أن الإخوان لا يواجهون فقط برفض سياسي او شعبي أو منافسة تنظيمية، بل يُواجهون بكشف حقيقتهم، وهي أن مشروعهم، في كثير من المحطات، لم يكن مشروعاً لبناء الدولة، بل مشروعاً لتذويبها داخل بنية تنظيمية فوق وطنية، تعتبر ولاء العضو للتنظيم أسبق من انتمائه للوطن.

إن الفرق بين ما يروج له الإخوان من شعارات متناقضة كـ الحرية، الإصلاح، الكرامة، الحاكمية والجاهلية التنوير، وبين ما يتم تنفيذه في الواقع، كبير ومؤلم. الخطاب الديني الذي يُستخدم لتبرير السياسات، وتجييش الشارع، واثارة الاضطرابات والتطرف وتخدير الضمير، لا يمكن فصله عن حقيقة أن الجماعة تعمل كتنظيم عابر للحدود، لا كحزب سياسي ولا حتى تنظيم دعوي. لهذا السبب تحديداً، فإن كل تجربة حكم وصلوا إليها او إشركوا فيه انتهت إما بصراع داخلي مرير، أو بثورة شعبية ضدهم مثل ما حدث في 30 يونيو.

تجربة مصر والسودان، بل وتجارب أخرى مثل ليبيا وتونس وحتى اليمن، كشفت أن الجماعة لا تحتكر الحقيقة، لكنها تمارس دور من يزعم امتلاكها. وبينما تتكئ على الدين في خطابها، فإن أدواتها لا تختلف كثيراً عن أي تنظيم يسعى للهيمنة: اختراق المؤسسات، توظيف الإعلام، تشويه الخصوم تزييف الحقيقة، وتضليل الشعوب، وربما الأهم من ذلك كله، تبني خطابين: أحدهما ناعم للعامة، وآخر متطرف داخل الغرف التنظيمية، مثلته الجماعات الارهابية التي تفرعت من الفكر الإخواني ابرزها، تنظيم القاعدة وانصار الشريعة، وداعش.

في النهاية، لا يُلام الشعب حين ينخدع في البداية، فـ في اليمن حدث أن رفعت شعارات الحرية في 2011، بينما المساجد تحولت الى منابر تضفي القداسة لتحركات الشعب المخدوع، فالخطاب الديني يأسر المشاعر. لكن التجربة، كما في السودان ومصر، وتونس وليبيا واليمن أثبتت أن الإخوان لا يبنون دولاً، بل يعيدون تشكيلها لتكون امتداداً لفكر الجماعة، لا وطن يخدم الشعب. ومن هنا، فإن "عدم احتكار الحقيقة" ليس شعاراً نظرياً، بل شرط وجود في أي مشروع سياسي يحترم الناس، ويعترف بحقهم، ولا يهمشهم باسم الدين أو التمكين التنظيمي.

فيديو