قرارات الرئيس الزبيدي.. لحظة تحول استراتيجي في مسار الجنوب

السياسة - منذ 3 أيام

عدن، عين الجنوب | خاص

تشهد الساحة السياسية في الجنوب تحولًا استراتيجيًا بالغ الأهمية بعد صدور القرارات الأخيرة للرئيس القائد عيدروس الزبيدي، وهي قرارات لم تأتِ من فراغ، بل تشكل امتدادًا طبيعيًا لمسار سياسي مدروس ومتفهم لطبيعة المرحلة وتعقيداتها، ومبني على أرضية شرعية ثنائية: شعبية وسياسية.

يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي هذا الإطار كجسم وطني جامع يستند إلى التفويض الشعبي الذي منحه إياه أبناء الجنوب في مليونيات متتالية، وإلى الشرعية السياسية التي جاءت نتيجة شراكته في المجلس الرئاسي ومشاركته الفاعلة في مفاوضات الرياض واتفاقيات التحالف العربي. كل ذلك يضع هذه القرارات في إطار الفعل الوطني السيادي، الهادف إلى تصحيح المسار داخل الدولة وإعادة إنتاج السلطة بما يخدم المصلحة العامة لشعب الجنوب الذي عانى طويلًا من تآكل مؤسسات الدولة وانهيار الخدمات واستشراء الفساد المالي والإداري والعبث بثروات البلاد.

ما يجب فهمه أن المجلس الانتقالي لا يتحرك بشكل انفعالي أو عشوائي، بل ضمن استراتيجية تتسم بالمرونة والثبات في آن واحد، فهو يتعامل مع الواقع وفق منطق الشراكة دون المساس بجوهر مشروعه الوطني الجنوبي. لذلك جاءت القرارات كخطوة جريئة تمثل إعادة هيكلة شاملة ضمن ما هو متاح ووفق نصوص الاتفاقيات التي تحفظ للجنوبيين حقهم في التمثيل العادل في مؤسسات الدولة، وتصحيح الوضع المختل الذي ظل قائمًا لسنوات منذ تشكيل المجلس الرئاسي في مشاورات الرياض.

هذه القرارات لم تمس جوهر الشراكة ولم تخرق الاتفاق، بل جاءت كمحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مؤسسات بدأت تتآكل في ظل صمت وتواطؤ بعض الأطراف المتحكمة في القرار داخل المجلس الرئاسي، وهي أطراف ترى في أي إصلاح حقيقي تهديدًا لمصالحها القديمة المبنية على النهب المنظم وغسيل الأموال وتهريب الثروات وتعطيل مؤسسات الرقابة والشفافية.

لذلك فإن ما يتم الترويج له من قبل هذه الأطراف حول أن ما جرى يمثل انقلابًا أو خروجًا عن التوافق ليس سوى محاولة يائسة لتشويه صورة المجلس الانتقالي والتغطية على مشاريعهم الفاسدة التي عرّاها الواقع وكشفها الوعي الشعبي المتصاعد.

قيام الرئيس عيدروس الزبيدي بهذه الخطوة الاستراتيجية لم يوجه رسائل داخلية فحسب، بل وجه رسائل إقليمية ودولية واضحة فحواها أن الجنوب لن يكون بعد اليوم تابعًا في معادلة تقاسم النفوذ، ولن يكون جزءًا من منظومة فاشلة تخدم قوى لا تؤمن بالدولة ولا تسعى لبنائها، بل تستثمر في بقاء الأزمات وتحولها إلى فرصة لنهب مقدرات الشعب.

وفي هذا السياق فإن الاستراتيجية الإعلامية المصاحبة للقرارات الأخيرة اتسمت بوضوح الخطاب وتماسك الرواية الوطنية، فتم تسليط الضوء على جوهر المعركة الحقيقية مع منظومة الفساد والمصالح العابثة، كما تم فضح محاولات التضليل والتزييف التي تقودها أبواق إعلامية مرتبطة بمراكز النفوذ القديمة التي ترى في أي خطوة إصلاحية تهديدًا مباشرًا لامتيازاتها. ولهذا فإن تصعيدها الإعلامي واتهامها للمجلس بالانقلاب ليس سوى انعكاس لحالة الهلع التي تعيشها بعد أن أصبحت مصالحها في مهب الريح.

أما على المستوى الاقتصادي فإن قرارات الرئيس الزبيدي تمثل محاولة لكسر قبضة النهب المنظم على مؤسسات الدولة والسيطرة على الموارد، وهي تمثل بداية فعلية لحالة نهوض اقتصادي تعيد التوازن إلى دورة المال العام وتحد من حالة الإفلاس التي يعاني منها المواطن البسيط، بعد أن تم تجفيف كل منابع الدخل الشرعي وتحويلها إلى حسابات نخبوية داخلية وخارجية.

ومن هنا فإن المجلس الانتقالي يرسل إشارة واضحة أن هذه القرارات نهائية وواجبة التنفيذ ولا يمكن التراجع عنها بأي حال من الأحوال، وأن من يعارضها أو يعرقل تنفيذها إنما يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الإرادة الشعبية، ويخالف نصوص الاتفاق السياسي ويخون مبادئ الشراكة والتمثيل العادل لشعب الجنوب.

هذه المرحلة تتطلب تماسكًا سياسيًا وإعلاميًا على أعلى مستوى، وتحتاج إلى وعي شعبي داعم لحالة التحول الجديدة التي تمثل فرصة تاريخية لإنهاء حالة العبث واستعادة سيادة القرار الوطني وفرض احترام الإرادة الجنوبية ضمن معادلة جديدة قائمة على الندية واحترام الحقوق، لا على التبعية والخضوع.

فما بعد قرارات الرئيس القائد  عيدروس الزبيدي ليس كما قبلها، ومن لا يدرك ذلك فإنه يقرأ الواقع بعين مكسورة أو يرفض أن يرى التغيير القادم بقوة الإرادة الشعبية التي تجاوزت مرحلة الانتظار ودخلت في مرحلة الفعل السياسي القادر على صناعة القرار.

فيديو