انكشاف المشروع الحوثي-الإخواني: إعادة تموضع الإرهاب لزعزعة استقرار الجنوب

السياسة - منذ 5 ساعات

عين الجنوب| خاص:
يجسّد الهجوم الإرهابي الذي نفّذ في مديرية المحفد بمحافظة أبين لوحةً مترابطةً من الأهداف والغايات التي تحركها قوى إقليمية ومحلية تسعى إلى إضعاف الجنوب وتقويض استقراره. بدا الهجوم ليس مجرد عملية عابرة، بل امتدادًا لمخطط استراتيجي يهدف أولاً إلى زعزعة الأمن وإدخال مناطق الجنوب في حلقة من الفوضى، ما يتيح للأطراف المنسقة استثمار التردي الأمني للحصول على مكاسب سياسية وعسكرية.

يتطلب تنفيذ هذا المخطط استخدام أدوات متعددة، بما فيها الإرهاب المسلح والحملات الإعلامية المضادة لتشويه الإنجازات الأمنية التي حققتها القوات الجنوبية. كما أن استهداف المجمع الحكومي حمل رمزية واضحة تهدف إلى إظهار عجز مؤسسات الحكم المحلية عن حماية منشآتها، وهو هدف يسعى لصياغة رواية تفقد المواطنين الثقة في مؤسساتهم وتمنح مشروعية مزعومة لقوى بديلة يمكن استغلالها لاحقًا لصالح أطراف داخلية أو خارجية متآمرة.

من بين الأهداف أيضًا إضعاف المؤسسة العسكرية الجنوبية بإحداث هزّات في ثقة الجمهور بها وضرب معنويات المقاتلين، الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف القدرات البشرية والمادية ويفتح ثغرات يمكن استغلالها في عمليات لاحقة. كما أن إعادة تنشيط التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة تشكل وسيلة عملية لإعادة توظيف هذه المجموعات كورقة ضغط تُستثمر سياسيًا وإقليميًا، بما يخدم مصالح أحزاب وجماعات فقدت مواقعها وسيطرتها على الأرض وتلجأ للإرهاب لابتزاز خصومها وعرقلة أي تسوية سياسية لا تتناغم مع أجنداتها.

ويُسهِم بثّ التشويش حول نجاحات القوات الجنوبية والخداع الإعلامي في طمس الإنجازات الأمنية وخلق مناخ شعبي متقلب قد يبرر إجراءات سلطوية، وهو ما يسعى القائمون على المخطط إلى تحقيقه. في الوقت نفسه يعمل المخطط على خلق هواجس واسعة بين المدنيين تدفع الكثيرين إلى النزوح وتعطيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا التشويه للواقع يخدم من يسعى إلى السيطرة على موارد ومواقع استراتيجية أو لتعطيل مشاريع التنمية المحلية، ما يعمّق اعتماد المجتمعات على جهات تموّل وتدعم هذه الأعمال.

من الأهداف العملية أيضًا اختبار شبكات الدعم والتمويل والبحث عن قدرة المجموعات المنفذة على التنسيق الميداني وقياس جاهزية الخلايا أمام الردود الأمنية. فهجوم المحفد يعد تجربة تقييمية لمدى فعالية قنوات التمويل وطرق الإمداد والملاذات الآمنة التي توفرها أطراف داعمة. ومن هنا تنبثق غاية أخرى هي خلق روايات بديلة تمنح شرعية مزعومة لقيادات وتشكيلات جديدة تحت مسميات براقة مثل "المقاومة الوطنية الجنوبية"، بهدف تجنيد قواعد مؤيدة وتسهيل تحرك هذه المجموعات داخل النسيج الاجتماعي المحلي بحيث يبدو لها قبول أو غطاء شعبي مفترض. تستهدف هذه الرواية الخداع الإعلامي وتشكيل هالات شرعية حول مجاميع لا تملك مشروعية حقيقية.

يسعى المخطط أيضًا إلى استنزاف القدرات العسكرية والموارد البشرية لدى القوات الجنوبية من خلال إطالة أمد المواجهات واستنزاف العمليات لإرهاق المنظومة القتالية. يخدم هذا الاستنزاف جهات كانت قد خسرت مواقع خلال المواجهات الماضية وتسعى لاستعادة نفوذها بطريقة غير مباشرة عبر إشغال القوة الجنوبية بملفات أمنية متكررة.

أما من الجانب الاقتصادي، فتمثل السيطرة على طرق الإمداد والممرات غير الرسمية ورقع التهريب هدفًا عمليًا، لأن من يسيطر على هذه الشبكات يضمن منابع تمويل طويلة الأمد وفرصًا لإعادة توزيع النفوذ بما يخدم مصالحه الاستراتيجية. وعلى صعيد التأثير الداخلي، يعمل القائمون على المشروع على تفكيك الروابط بين المكونات الجنوبية المختلفة وخلق انقسام داخلي، لأن الانقسام يسهل التدخل الخارجي ويقلل من فرص المواجهة الموحدة.

في المقابل، يسعى المخطط إلى تحويل الساحة الجنوبية إلى ميدان صراع يجعل من الصعب على الجهات الدولية والإقليمية تقديم حلول متوازنة. لذا فإن التصدي لهذه الأهداف يتطلب من القوى الجنوبية نهجًا متكاملاً يعتمد على توحيد الصفوف وتعزيز التنسيق الاستخباراتي والعملي، وقطع أي مسارات تمويل ودعم لوجستي للخلايا الإرهابية، إلى جانب بناء شبكة معلومات مجتمعية قوية تضمن إنذارًا مبكرًا وتمنع تسريب الروايات المضللة إلى الشارع الجنوبي.

كما أن العمل الدبلوماسي المكثف ضروري لكشف أي تنسيق بين قوى داخلية وخارجية وتقديم أدلة قاطعة عن هذا التنسيق أمام المجتمع الدولي. هذا النهج المتعدد الأبعاد يمكن أن يحوّل الرد من رد فعل إلى منع استباقي يحمي المنجزات التي تحققت بدماء الشهداء وصمود القوات المحلية، ويضمن حماية أمن الجنوب واستقراره المستدام.

بناءً على ذلك، يُعدّ الهجوم على المحفد تحولًا نوعيًا في تكتيكات الخصوم التي مزجت بين الإرهاب والسياسة والاقتصاد بهدف إضعاف الجنوب. ولوقف هذا المسار لا بدّ من مزيج من الصرامة العسكرية والحكمة السياسية والوعي الشعبي والتنسيق الإقليمي والدولي، حتى لا تبقى ساحات الجنوب مسرحًا لتصفية حسابات القوى المتصارعة، بل أرضًا لأمن اقتصادي واجتماعي يعيش فيها المواطن بحرية وكرامة.

فيديو