نصف تريليون دولار تتبخر.. اضطرابات عالمية تضرب أسواق الأسهم والتكنولوجيا

اقتصاد - منذ ساعتان

عين الجنوب|| بقش:
تتواصل حالة التراجع في الأسواق العالمية من وول ستريت إلى الأسواق الآسيوية، لتسجل الأسهم أكبر موجة هبوط منذ نحو شهر، وسط تصاعد المخاوف من المبالغة في التقييمات خصوصاً في قطاع التكنولوجيا وأشباه الموصلات، بينما اتجه المستثمرون نحو السندات والين الياباني بحثاً عن ملاذات آمنة، في وقت فقدت فيه العملات المشفرة زخمها السابق.

ووفق اطلاع بقش على بيانات السوق، شهدت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية مزيداً من التراجع في التعاملات الآسيوية المبكرة، بعد أن تكبد مؤشرا “إس آند بي 500″ و”ناسداك 100” خسائر ملحوظة في الجلسة السابقة، قادتها شركات التكنولوجيا الكبرى.

وزادت المعنويات السلبية مع الانخفاض الحاد في سهم “سوبر مايكرو كمبيوتر” خلال تداولات ما بعد الإغلاق، بينما لم تنجح شركة “أدفانسد مايكرو ديفايسز (AMD)” في طمأنة المستثمرين بتوقعات إيراداتها، لتتعزز المخاوف من تباطؤ في الزخم الذي غذّاه الذكاء الاصطناعي في الأشهر الماضية.

وفي آسيا، افتتحت الأسواق على انخفاض جماعي، وقادت كوريا الجنوبية التراجعات بتراجع تجاوز 4% في مؤشراتها الرئيسية.

مع تصاعد الهروب من المخاطر، شهدت سندات الخزانة الأمريكية إقبالاً ملحوظاً، حيث تراجع العائد على السندات لأجل 10 سنوات بنقطتي أساس إلى 4.07%.

كما ارتفع الين الياباني إلى مستوى 153.24 مقابل الدولار، في حين استعادت العملات المشفرة جزءاً من خسائرها السابقة بعد أن كانت بيتكوين قد تراجعت مؤقتاً دون حاجز 100 ألف دولار خلال الجلسة السابقة.

وتوقّف زخم الارتفاع العالمي للأسهم، الذي كان قد رفع المؤشرات الأمريكية بنحو 40% منذ أدنى مستوياتها في أبريل حسب مراجعة بقش، بعد أن غذّاه التفاؤل حيال آفاق الذكاء الاصطناعي وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية.

لكن تلك المكاسب باتت متركزة في عدد محدود من الأسهم، فيما أظهرت المؤشرات الفنية تشبّعاً شرائياً واضحاً، وهو ما دفع عدداً من المصرفيين في وول ستريت إلى التحذير من أن تصحيحاً في السوق قد يكون تطوراً صحياً وضرورياً.

مات مالي، من شركة ميلر تاباك قال إن السوق حالياً مهيأة لتراجع كبير على المدى القصير، بغض النظر عن الاتجاه المتوسط أو الطويل الأجل، حسب اطلاع بقش على تقرير لبلومبيرغ.

 الموصلات الشرارة الأساسية لموجة البيع العالمية، بعد أن بدت تقييمات كثير من شركات القطاع مبالغاً فيها مقارنة بتوقعات الأرباح.

500 مليار دولار تبخرت

ضغوط البيع أدت إلى فقدان 500 مليار دولار من القيمة السوقية المجمعة لمؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات يوم الثلاثاء، ومؤشر بلومبيرغ لأسهم الرقائق الآسيوية يوم الأربعاء، فبعد أن أضافت هذه الشركات تريليونات الدولارات إلى قيمتها السوقية منذ أبريل مدفوعة بتفاؤل الذكاء الاصطناعي، بدأت الشكوك تتصاعد بشأن قدرتها على تحقيق أرباح تتناسب مع هذه التقييمات، خصوصاً مع استمرار أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول من المتوقع.

وتتزايد التحذيرات بشأن تضخم أسعار الأسهم بعد أن دفعت موجة التفاؤل غير المحسوبة المؤشرات إلى مستويات تعتبر عادة مرتبطة بالمبالغة في التفاؤل، ورغم الأداء القوي للأرباح، يرى محللون تابع بقش تقديراتهم أن السوق باتت هشة، مع ضيق نطاق الأسهم الصاعدة.

مايك غيتلين، الرئيس التنفيذي لشركة كابيتال غروب، قال في مؤتمر نظمته سلطة النقد في هونغ كونغ، إن التحدي الحقيقي يكمن في التقييمات، في إشارة إلى أن أرباح الشركات لا تبرر مستويات الأسعار الحالية.

وفي آسيا، تراجع مؤشر “إم إس سي آي” الإقليمي بنسبة 1.2%، مع تسجيل خسائر في كل من اليابان وأستراليا، وفي كوريا الجنوبية تم تعليق أوامر البيع في التداولات الآلية بعد أن هبطت عقود “كوسبي 200” الآجلة بأكثر من 5%، ما فعّل آلية “سايدكار” للمرة الأولى منذ أبريل الماضي. كما تراجع مؤشر قطاع التكنولوجيا الآسيوي بنحو 2%.

وأصبحت المعايير أعلى الآن، لذا فإن تحقيق أرباح تفوق التوقعات بشكل طفيف لم يعد كافياً لتحريك الأسعار صعوداً، في إشارة إلى حالة التشبع السعري والشكوك تجاه تقييمات القطاع، وفقاً لـ”آنا وو” استراتيجية الأصول المتعددة في شركة فان إك أسوشيتس في سيدني.

تحركات حادة في العملات والسلع

في أسواق العملات، صعد الدولار الأسترالي إلى أعلى مستوى له منذ 12 عاماً أمام الدولار النيوزيلندي، متأثراً بارتفاع معدل البطالة في نيوزيلندا.

أما النفط فواصل انخفاضه لليوم الثاني على التوالي بعد أن أظهر تقرير صناعي أكبر زيادة في مخزونات الخام الأمريكية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وفي المقابل استقر الذهب بعد أكبر انخفاض له في أكثر من أسبوع، متأثراً بارتفاع الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوياته منذ مايو، ما قلل من جاذبية المعدن كملاذ آمن.

وكتب كريس ويستون، رئيس الأبحاث في مجموعة بيبرستون، في مذكرة للعملاء، أنّ الأسواق بأكملها غارقة في اللون الأحمر، في مشهد يعكس صورة قاتمة ومحبطة للمخاطر، ملخِّصاً المزاج العام السائد بين المستثمرين في ظل تصاعد التقلبات وتراجع شهية المخاطرة.

ما وراء التراجع

المسار الحالي للأسواق يشير إلى أن موجة الصعود التاريخية المدفوعة بالتفاؤل المفرط بتقنيات الذكاء الاصطناعي بدأت تواجه نقطة انعطاف حاسمة، وفق قراءة بقش. فالتقييمات المرتفعة بشكل غير مسبوق، إلى جانب تشدد السياسة النقدية واستمرار أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، تجعل الأسواق عرضةً لموجات تصحيح متكررة، لا سيما في القطاعات التي شهدت مكاسب مفرطة دون أساسات مالية قوية.

وعلى الصعيد النقدي، قد يدفع التراجع الحالي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى مزيد من الحذر في سياساته المقبلة، بين خيارين متناقضين، إما دعم الاستقرار المالي عبر تخفيف وتيرة التشديد، أو الإبقاء على الفائدة المرتفعة لكبح التضخم، وفي الحالتين، تبقى الأسواق أمام مرحلة من التقلبات الممتدة، حيث يعيد المستثمرون تقييم رهاناتهم بين المخاطر والعوائد.

أما على المدى المتوسط، فإن تراجع شهية المخاطرة وتزايد الإقبال على السندات والين والذهب يعكس تحوّلاً نفسياً في مزاج المستثمرين نحو التحفظ والاستقرار بدلاً من المضاربة والبحث عن المكاسب السريعة، وقد يشكّل هذا التحول بداية دورة مالية جديدة تبتعد فيها رؤوس الأموال تدريجياً عن الأصول عالية المخاطر، باتجاه أدوات الاستثمار الآمنة أو الواقعية.

فيديو