عُُمان… وسيط سلام وممر أسلحة فتاكة

تقارير - منذ 1 سنة

المهرة- عبدالعالم بجاش عين الجنوب | تقارير هناك ملل ثقيل يسود في اليمن، يعقب كل حدث خطير، يجعل أخطر ملفات الحرب اليمنية مدعاة للضجر، ويطويها النسيان وفقدان الاهتمام السريع. كأن يكون وسيط السلام المأمول هو في الوقت نفسه ممر أسلحة مهربة تغذي الحرب وتطيلها من جانب واحد. هذه قصة سلطنة عمان مع اليمن في ضوء آخر تقرير للجنة خبراء اليمن في مجلس الأمن، الذي نشر السبت الماضي 25 فبراير 2023. وجاء في ملخص التقرير أن فريق الخبراء يحقق في تهريب منصات إطلاق صواريخ موجهة، مضادة للدبابات، عثر عليها مخبأة داخل شاحنة تجارية، عبر الحدود البرية مع عمان. وقد “حدد الفريق شبكة من الأفراد المرتبطين بالحوثيين في اليمن وعمان، تقوم بتجنيد أفراد الطواقم، وتسهيل حركتهم عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، وترتيب المركبات والقوارب لهم”. مضيفًا أن “الفريق يتمسك بموقفه الثابت بأن بعض الأسلحة المضبوطة -مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات التي ضبطت على الحدود العمانية- لها خصائص وعلامات تقنية تتفق مع تلك المصنعة في جمهورية إيران الإسلامية، في حين أن أسلحة أخرى، مثل البنادق الهجومية والذخائر التي تم الاستيلاء عليها في كانون الأول/ ديسمبر 2021، من المرجح أن تكون زودت أصلًا من قبل دول أعضاء أخرى إلى كيانات في جمهورية إيران الإسلامية” وآخر واقعة شحنة أسلحة مهربة للحوثيين ضبطت في منفذ شحن بالمهرة (شرقي اليمن)، مطلع يناير الماضي. مرت الشحنة عبر سلطنة عمان، بالرغم من أن مسقط تعترف رسميًا بالحكومة الشرعية اليمنية،ولا تعترف بجماعة الحوثي، لكن الأخيرين لديهم ما يشبه مكتبًا دائمًا في العاصمة العمانية، حيث يقيم الناطق باسم الجماعة الحوثية محمد عبدالسلام، ورئيس فريقها المفاوض. وليست المرة الأولى، لكنها الأكثر تعبيرًا عن الوضع، وكيف تتدفق الأسلحة المهربة عبر شبكة في سلطنة عمان واليمن، يديرها الحوثيون. ضبط شحنة محركات ١٠٠ طائرة مسيرة في منفذ شحن بالمهرة، كانت متجهة للحوثيين، تم بالمصادفة وحدها، وليس نتيجة عمل أمني، وبأوراق مزورة. لكن كيف مرت قبل ذلك من المنفذ العماني المقابل؟ في مطلع يناير ٢٠٢٣، تم بالصدفة، ضبط شحنة محركات ١٠٠ طائرة مسيرة في منفذ شحن بالمهرة، كانت متجهة للحوثيين، وبعد نحو ثلاثة أسابيع (٢٢ يناير ٢٠٢٣) تم الكشف عن الشحنة، ونشرت وسائل إعلام محلية وعربية صورًا للشحنة في هذا التوقيت. صدرت مذكرة رسمية من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالحكومة الشرعية، تشير إلى أن الوزير سبق أن أصدر مذكرة بالتحفظ على الشحنة في مبنى فرع المؤسسة العامة للاتصالات بالمهرة، وتنفي بشكل قاطع أية صلة للوزير بتسهيل دخول الشحنة، وتستنكر إلقاء التهم جزافًا في وسائل الإعلام ووسائل التواصل.. ووسط الصخب تناسى الجميع تلاشى اهتمام الرأي العام بالأمر، ورسميًا انتهى أي شعور لدى الحكومة بالحرج، ولم يحرك أحد ساكنًا.. سائق شاحنة التهريب فر مبكرًا، ولم يقتفِ أثره أحد. عشرات الشحنات يغدو مصيرها مجهولًا، وتقيد ضد مجهول. وغالبًا لا يعرف مصير المضبوطات، وفي وضع منفلت، ما الذي يمنع تدوير تلك المضبوطات من الأسلحة المهربة وغيرها، وتهريبها مجددًا لتصل إلى وجهتها كما في شحنة محركات الطائرات المسيرة؟ لم تخبر الحكومة عن مصير تلك المضبوطات، وأين هي؟ وكيف سيتم التصرف بها؟ أسئلة كثيرة دون إجابة من السلطة المعنية، لأن المحاسبة مفقودة. ربما لأن الشرعية المجزأة برؤوس متعددة لا تملك قرارًا، حتى يتم تجاهل جريمة كهذه. لم يفتح تحقيق رسمي حول المتورطين في الجريمة والمكتب الوسيط والسائق الفار وباقي الشبكة. ولم يسمع أحد عن إجراء تغييرات في المنافذ، وتشديد الرقابة وتفعيل المحاسبة القانونية. من المثير للغرابة أنه لم يوجه مجرد لوم لأطراف ضالعة بجلاء في تهريب أسلحة مميتة الى الحوثيين في اليمن، تتسبب في جرائم قتل آلاف اليمنيين، معظمهم من المدنيين، ومن ضمنهم أطفال ونساء. الأحداث الخطيرة كتهريب أسلحة تشمل مسيرات أو محركاتها أو صواريخ وقطعها أو منصات إطلاق صواريخ، داخل شاحنات نقل بضائع، وتهريبها برًا عبر الحدود والمنافذ بين عمان واليمن، تتحول إلى ملفات تنسى بسهولة وتطوى بسرعة، ثم بعد ذلك يقف المجتمع الدولي حائرًا في البحث عن مصدر إطالة الحرب في اليمن، بينما لا يتعامل بجدية مع جذر المشكلة بالتركيز على إمدادات الأسلحة المهربة، والتي هي عصب تغذية الحرب المستمرة من طرف واحد، هم الحوثيون. وبدلًا من التعامل الحازم ضد شبكة تهريب الأسلحة المغذية للحرب، علق المجتمع الدولي كل آماله وتطلعاته على مسقط ودورها في النزاع اليمني وتجديد الهدنة على مسار إيقاف الحرب نهائيًا. لكن، بموازاة هذا الدور، لم يوجه أحد أي لوم لحكومة سلطنة عمان بشأن الصفقة الأخيرة على سبيل المثال، وكيف عبرت شحنة محركات طائرات مسيرة، من المنفذ العماني إلى منفذ شحن اليمني؟ رسالة من إدارة ترمب عمان.. وسيط سلام وممر أسلحة فتاكة مايك بومبيو ، وزير خارجية ترامب في زيارة إلى عمان-فبراير 2021-الصورة عبر رويترز بهذا الخصوص، الوحيد الذي وجهت إدارته رسالة سرية قوية، في 2017، لسلطنة عمان، كان ترامب الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة من عام ٢٠١٧ وحتى ٢٠٢١. كانت إدارة ترامب ترى في علاقة سلطنة عمان مع إيران مشكلة بسبب تدفق الأسلحة الإيرانية المهربة إلى الحوثيين عبر عمان، وهو ما نفته الأخيرة. يعود موضوع الرسالة الأمريكية حين كان مايك بومبيو، يشغل مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، والذي قام مع نائب مستشار الأمن القومي، الجنرال ريكي وادل، بزيارة سرية إلى عمان، في 11 يونيو ٢٠١٧، والتقيا السلطان قابوس بن سعيد، وطلبا منه القضاء على طرق التهريب الإيرانية عبر الأراضي العمانية، التي تنقل الأفراد والمعدات والأسلحة للمتمردين الحوثيين في اليمن. صحيح أن هناك حالة إجماع إقليمي دولي حول أهمية دور عمان كوسيط في النزاعات بالمنطقة، وأولها النزاع اليمني وتشعباته، لكن ما يتم تأكيده مرارًا، وعبر تقارير سنوية للجنة خبراء اليمن في مجلس الأمن الدولي، بخصوص تهريب الأسلحة عبر منافذ برية بين سلطنة عمان واليمن، يثير علامات استفهام حول طبيعة الدور العماني المزدوج، والمتناقض. دور علني دؤوب لتحقيق السلام، ودور آخر معاكس يبرز فيه تساهل عماني مطلق إزاء أنشطة شبكة تهريب تديرها جماعة الحوثي في سلطنة عمان واليمن، لتسهيل تهريب الأسلحة، وفقًا لتقرير لجنة الخبراء، الذي وزع لأعضاء مجلس الأمن الدولي منذ أيام. شحنات عديدة ضبطت في منفذ شحن البري بالمهرة، تلك الشحنات عبرت المنفذ العماني، وليست المنافذ البرية وحدها البوابة المفتوحة للتهريب، هناك المياه الإقليمية لسلطنة عمان واليمن، وهناك سواحل طويلة تربط البلدين. وكما في شحنة محركات الطائرات المسيرة التي ضبطت مصادفة في منفذ شحن، مطلع يناير الماضي، قبيل عبورها من بوابة المنفذ، وكما يحدث في غيرها، حيث تمر الشحنات المهربة القادمة من عمان، عدة محافظات يمنية تحت سيطرة الحكومة الشرعية وصولًا إلى جماعة الحوثي.. نستشف ذلك من تقرير لجنة خبراء اليمن في مجلس الأمن، والذي قال إن اللجنة توصلت لهوية عدد من الأشخاص في سلطنة عمان واليمن، على ارتباط بشبكة تهريب الأسلحة التي تديرها جماعة الحوثي. وقف تهريب الأسلحة الطريق لإنهاء القتال من الطبيعي أن يسود الملل والضجر أيضًا، وأن يفقد اليمنيون الثقة بكل شيء، ويخفت اهتمامهم بالأحداث، وتطوى أخطر الملفات. فجهود السلام ومن يتصدرونها تصطدم بأدوار أخرى على النقيض من خلال تجاهل العصب الحيوي لإمدادات الأسلحة المهربة، بخاصة إذا كان ذلك العصب يمر عبر دولة هي الوسيط الأبرز الذي تعلق عليه الآمال في إنهاء الحرب اليمنية، كما في حالة سلطنة عمان التي يبدو دورها من خلال تقرير لجنة الخبراء حول تهريب الأسلحة، كأنها أحد مصادر تأجيج الحرب عبر وجود شبكة على أراضيها متصلة بالحوثيين في اليمن. إن وقف إمدادات الأسلحة المهربة للحوثيين، هو نصف الطريق لإنهاء قدرات التصعيد الراهن من طرف واحد، وهم الحوثيون، وهو بالتالي نصف طريق إلى إحلال السلام. لا يكفي ضمان أن تكف الجماعة الحوثية عن التهديد بتصعيد في البحر الأحمر وباب المندب، أو استهداف منشآت نفطية وغيرها في السعودية والإمارات، لتكوين موقف بأن المنطقة في مأمن، لأن استئناف التهديد وتنفيذه ممكن في أي وقت.

[عين الجنوب]

فيديو