بوساطة عُمان.. "البحر الأحمر" فخ "إيراني" لتثبيت حكم "الحوثي" في شمال اليمن

السياسة - منذ 10 شهر

المكلا|| عين الجنوب: نجحت الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في اليمن، في جر الولايات المتحدة وحلفائها إلى مواجهات عسكرية مباشرة، عقب تصاعد الهجمات التي تنفذها في مياه البحر وباب المندب تحت شماعة "نصرة غزة" ودعم "القضية الفلسطينية". على الرغم من زيف الادعاءات والحجج التي تطلقها الميليشيات الحوثية للتستر وراء الهجمات البحرية التي تنفذها، إلا أن الصراع العسكري في البحر الأحمر بين الطرفين دخل مرحلة تنذر بحرب إقليمية ظهرت مشاهدها على سواحل البحر الأحمر وباب المندب، خصوصاً بعد الضربات الأميركية البريطانية فجر الجمعة 12 يناير 2024، على مواقع تابعة للميليشيات الحوثية في عدة محافظات يمنية؛ ليوسع الحوثيون بالمقابل هجماتهم ضد السفن التجارية والحربية لتشمل السفن التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا. ومع تأزم الوضع وارتفاع مخاطر توسع الصراع، إلا أن الإدارة الأميركية تحاول جاهدة مع حلفائها الابتعاد عن توسيع الحرب في مياه البحر الأحمر، ومحاولة تجنيب هذه المنطقة الحيوية للاقتصاد العالمي الانزلاق في مربع الفوضى. وهذا التوجه برز من خلال الاتصالات المتكررة التي تلقتها طهران خلال الأيام الماضية من دولة أوروبية أو من الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي إلى اليمن لأجل كبح وكلائها في اليمن ومنع مزيد من التصعيد واستمرار استهداف السفن وتهديد الملاحة الدولية. إيران تنقل الفوضى عمدت إيران على دفع ميليشيات الحوثي لتكون رأس حربة المواجهة ضد الولايات المتحدة، تحت خانة "محور المقاومة" التي تناهض إسرائيل. واستغلت طهران موقع محافظة الحديدة الواقعة جنوب البحر الأحمر وقرب باب المندب لتكون بمثابة الشوكة التي ستجذب الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة ستكون تكلفتها كبيرة على إدارة الرئيس بايدن. ومنذ نوفمبر الماضي ظلت الاستهدافات الحوثية على السفن التجارية التي ترتبط بعلاقة مع إسرائيل أو لرجال أعمال وشركات في تل أبيب. وهذه الاستهدافات تم إحباطها بشكل متكرر من قبل القوات الأميركية والبريطانية التي عززت تواجدها العسكري قبالة سواحل اليمن. تعنت الحوثيين على تهديد الملاحة الدولية جنوب البحر الأحمر قابله إصرار كبير من قبل الولايات المتحدة التي تبنت في 18 ديسمبر قيادة تحالف عسكري لردع تلك الهجمات وتأمين الملاحة أطلق عليه اسم "حارس الازدهار" وتشارك فيه عدة دول أبرزها بريطانيا. تمكنت هذه القوات من إحباط الكثير من عمليات الاستهداف التي طالت سفنا تجارية تبحر بين قناة السويس وباب المندب قبالة السواحل اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. من خلال متابعة التصريحات الإيرانية حول التطورات الحاصلة في البحر الأحمر، يمكن التأكيد على أن "طهران" نجحت في نقل الفوضى والصراع مع الولايات المتحدة إلى بعد آخر عبر ذراعها في اليمن. وعقب اختطاف الحوثيين لسفينة "جالاكسي ليدر" التابعة لشركة يابانية في 19 نوفمبر الماضي أثناء مرورها قبالة سواحل الحديدة، أصدرت الخارجية الإيرانية على لسان متحدثها ناصر كنعاني، نفياً بعلاقتها بالحادثة، وأن هذا تصرف مستقل من الحوثيين ومن تلقاء أنفسهم وبناءً على مصالحها ومصالح شعوبها. لكن حقيقة الدور الإيراني في المنطقة تكشف بوضوح من خلال تصريحات أطلقها وزير دفاع طهران، أمير آشتياني، كان آخرها مطلع يناير الماضي، الذي أكد أن منطقة البحر الأحمر خاضعة لسيطرتهم، ولا يمكن لأحد أن يتحرك في هذه المنطقة -في إشارة إلى القوات الأميركية والبريطانية. التصريحات رافقتها تحركات عسكرية إيرانية، من خلال إرسال المدمرة الإيرانية "ألبرز" القتالية برفقة سفينة "بهشاد" العسكرية إلى مضيق باب المندب تحت غطاء تأمين الملاحة الدولية والتصدي للقرصنة البحرية. وأكدت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أدريان واتسون، إن معلومات الاستخبارات الأمريكية التي رفعت عنها السرية مؤخرا تشير إلى أن إيران "متورطة في التخطيط للعمليات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر". وأضافت واتسون ان المعلومات الاستخبارية تشير إلى أن "الدعم الإيراني طوال أزمة غزة مكن الحوثيين من شن هجمات ضد أهداف بحرية، على الرغم من أن إيران كثيرا ما أرجعت سلطة اتخاذ القرار العملياتي للحوثيين". وتابعت: "إيران لديها خيار تقديم هذا الدعم أو حجبه، والذي بدونه سيكافح الحوثيون لتتبع وضرب السفن التجارية التي تبحر في ممرات الشحن عبر البحر الأحمر وخليج عدن بشكل فعال". وذكرت أن المعلومات الاستخباراتية تشير أيضا إلى أن الإيرانيين قدموا أنظمة مراقبة للحوثيين، وأضافت إن "المعلومات التي قدمتها إيران كانت حاسمة في تمكين الحوثيين من استهداف السفن البحرية منذ أن بدأت الجماعة هجماتها في نوفمبر/ تشرين الثاني". وقالت: إن الطائرات بدون طيار والصواريخ التي استخدمها الحوثيون في الهجمات قدمتها إيران أيضا، كجزء من تسليحها للجماعة المتمردة منذ عام 2015. مأزق أميركي بالحرب يرى الخبير الدولي في معهد واشنطن للدراسات، سايمون هندرسون، أن ما تقوم به ميليشيا الحوثي ومن خلفها إيران في البحر الأحمر، ليس ضغطاً على إسرائيل كما يحاول البعض تصويره، ولكن هو تحد مباشر للولايات المتحدة. فالحوثيون يسعون إلى تعقيد الأمور بتشجيع من إيران من أجل تحقيق أجندتهم وأهدافهم الخاصة. وأضاف إن ما يجري في البحر الأحمر يثر الغضب، وهو قيام عناصر مسلحة مزودة بصواريخ وطائرات مسيرة قدمتها إيران لأجل التغلب على قوة الجيش الأميركي وتعرض طريق عبور بحري رئيسي هام -باب المندب وقناة السويس- للخطر. موضحاً أن تصعيد الإجراءات ضد الحوثيين سيعكس بدوره سلباً على عملية السلام في اليمن التي تحاول واشنطن تيسيرها وقطعت فيه الأمم المتحدة شوطاً كبيراً. وأكد المحلل الدولي أن توقيت الجولة التالية من أعمال العنف في منطقة باب المندب مرهون ببساطة بطهران وما إذا كانت ستدفع الحوثيين إلى القيام بالمزيد من الاستفزازات، وهو ما يبدو أكثر احتمالاً في الوقت الحالي من قيام الولايات المتحدة باتخاذ إجراء حاسم. يرى الكاتب والمحلل السياسي البارز، هاني سالم مسهور، عدم وجود حلّ مطروح حالياً على الطاولة مع ارتباك السياسات الأميركية بسبب ما تعيشه داخليا من تنافس كبير بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري للانتخابات القادمة. مشيراً إلى أن الضربات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة وبريطانيا لا يمكن أن تكسر الحوثيين على الأرض، فهي تمرست على هذه النوعية من العمليات منذ الحروب في صعدة وصولاً إلى حصار دماج في محافظة صعدة عام 2011، بدأت سلسلة ممتدة للجماعة الحوثية من الحروب والتفاوض، وصلت إلى حد استدعاء الولايات المتحدة وبريطانيا إلى هذه المعركة غير المتماثلة، في تكرار لما تمرس عليه الحوثيون في حروبهم المتوالية. سيناريو طالبان بدور عُماني مع تأزم الوضع وتصاعد وتيرة الحرب في اليمن، ظهر الدور العُماني، كوسيط ومحايد في الظاهر، من خلال تبني فكرة لعب الوساطة وتقريب وجهات النظر تارة، وتقديم المبادرات للوصول إلى تسوية سياسية لإنهاء الأزمة تارة أخرى. إلا أن الدور العُماني يمثل طوق نجاة للميليشيات الحوثية التي تحصل على الكثير من الامتيازات تحت غطاء "اتفاقات السلام وإيقاف القتال". وبرز ذلك من خلال الوساطة الأخيرة التي تقودها لعقد مباحثات بين الدبلوماسيين السعوديين وقادة الحوثيين وما أفضت إليه الخارطة المعلنة أممياً والتي لبت بنودها الكثير من الاشتراطات التي وضعتها الميليشيات الحوثية خلال فترات سابقة وكانت مستحيلة دون الدور العُماني. تصاعد الحرب بين الولايات المتحدة الأميركية والميليشيات الحوثية في البحر الأحمر، سيدفع مرة أخرى الكرة إلى ملعب الوساطة العُمانية بطلب من الولايات المتحدة الأميركية لأجل الوصول إلى حلول تنهي التوتر القائم وتمنع انزلاق المنطقة إلى حرب موسعة. وسوف يستغل الحوثيون دور السلطنة لأجل تحقيق الكثير من أجندتهم وأهدافهم في إثبات تواجدهم وسيطرتهم على شمال اليمن، كسلطة رسمية وباعتراف أميركي. الحرب الدائرة في البحر الأحمر، وتغلغل القوات الأميركية فيها أعاد إلى الأذهان ما حدث في أفغانستان منذ العام 2001 وحتى 2021, وعلى مدى سنوات من الحرب الطاحنة ضد حركة طالبان التي تم تصنيفها جماعة إرهابية خطيرة على مستوى العالم. ولتفادي مزيد من الانزلاق في الحرب ضد هذه الحركة سعت واشنطن للبحث عن وساطة إقليمية بهدف إخراجها من هذا المأزق وقبول الاشتراطات التي وصلت إلى تسليم حركة طالبان السلطة والاعتراف بها كجهة شرعية تمثل أفغانستان. ويؤكد السياسي هاني مسهور: ما حدث في كابول عام 2021 يؤكد نظرية التماهي التي تتبعها الولايات المتحدة مع القوى الإسلامية، رغم خطورة ذلك على حاضر الأجيال في المنطقة والعالم، رغم أن هذه القوى هي التي تبنت مهاجمة الغرب وذهبت إليه لتنفيذ عمليات إرهابية، لم تكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 غير واحدة منها، فتنظيم القاعدة مخلب من مخالب الفكر المتعصب الذي أنتجه الإسلام السياسي لإقامة ما يزعم أنه دولة الخلافة الإسلامية. وأضاف مسهور: اعتمدت الولايات المتحدة على سياسة الغرف الخلفية في مفاوضاتها الاضطرارية مع حركة طالبان عبر القطريين، وهذا ما يمكن أن تعتمده مع جماعة الحوثي عبر العمانيين. وكانت واشنطن قد فرضت على المجتمع الدولي الاعتراف بطالبان باعتبارها سلطة أمر واقع في أفغانستان، واكتفت كما اكتفى العالم من بعدها بإصدار بيانات تعبر عن شعورها بالقلق على انتهاكات حقوق الإنسان والإجراءات التعسفية التي طالت المرأة الأفغانية. وقال: ما جرى في كابول سيجري في صنعاء، فكل المعطيات تؤشر على المجرى الذي ستتطور إليه الأحداث في اليمن مستقبلا، ولا مجال أمام الغرب سوى الإقرار بحكم الحوثي لشمال اليمن، خاصة أن القوى الحزبية باتت بعد الهجمات الأميركية – البريطانية على المواقع العسكرية الحوثية منصهرة أكثر.

عين الجنوب

فيديو