حفرة رداع جزء من القبر الكبير الذي يعدّه اليمنيون للمليشيا الحوثية

السياسة - منذ 7 شهر

عين الجنوب |   جريمة تفجير منازل المواطنين في حيّ الحفرة بمدينة رداع، ليست جريمة طارئة على سلوك المليشيا الحوثية. هذا ما تبادر إلى أذهان اليمنيين بمجرد علمهم بتفجير مليشيا الحوثي منازل آل الزيلعي وناقوس صباح الثلاثاء المشؤوم، فهم لم ينسوا تفجير المليشيا للمئات من بيوت معارضيها طيلة العشر السنوات الماضية. لن ينسى اليمنيون على امتداد جغرافيا وطنهم المسلوب ما فعلته وتفعله هذه المليشيا منذ نشأتها، بل وذهب المطلعون على تاريخ حكم الكهنوت الإمامي إلى التذكير بجرائم هدم منازل المقاومين الأحرار من قبل الأئمة على امتداد الألف عام الماضية. اعتمدت مليشيا الحوثي منذ نشأتها على الحيلة لاستقطاب تعاطف اليمنيين معها كجماعة مظلومة وتقاوم ظلم السلطة منذ العام 2004، وقدمت نفسها في العام 2014 كمنقذ لليمنيين من حالة الانقسام السياسي والانهيار الاقتصادي الذي ساد بعد احتجاجات 2011، وحتى انقلابها على الحكومة الشرعية تم بالتدريج لأنها تعرف أن اليمنيين سيوقفونها عند حدها إذا أظهرت وجهها الحقيقي من البداية. ولما تمكنت من أسلحة الدولة وترسانتها العسكرية ونجحت في توريط المزيد من اليمنيين في الانضمام إليها، أكملت انقلابها واستبدلت تكتيك الحيلة باستراتيجية القوة الغاشمة التي لا تتورع عن تفجير المنازل على رؤوس ساكنيها. البيضاء وجه أبيض كانت البيضاء أولى المحافظات اليمنية التي حرصت مليشيا الحوثي على السيطرة عليها لسببين رئيسيين، أحدهما أنها تعرف ما ينتظرها هناك من مقاومة مسلحة شرسة، والسبب الآخر أنها تعتبر بوابة للسيطرة على محافظة مأرب التي لا تقل منعة وشراسة في مقاومة حكم الكهنوت عبر تاريخه الطويل. استغلت المليشيا تواجد عناصر من تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء لتعمم تهمة الانتماء للقاعدة على كل معارضيها من قبائل المحافظة. ثم تحالفت مع أمريكا التي تدّعي معاداتها لشن غارات ومداهمات على المنازل وتنفيذ جرائم القتل بدون تفريق بين المدنيين والمقاتلين ولا بين رجال ونساء وأطفال وشيوخ. ورغم المقاومة الشرسة من رجال قبائل البيضاء لسيطرة المليشيا الحوثية على المحافظة منذ اندلاع الحرب وتدخل التحالف العربي، إلا أنهم وجدوا أنفسهم وحيدين أمام أسلحة المليشيا الإيرانية. وعندما سقطت البيضاء في قبضة المليشيا، ذراع إيران، كان الثمن باهظا من دماء مقاتليها وعتادهم، لكن رؤوس رجال القبائل لم تسقط وحافظوا على بياض وجوههم من العيب والخضوع. استمرار المقاومة في جميع المناطق التي سيطرت عليها مليشيا الحوثي، انتهجت سياسة التفتيش عن نوايا الناس وتسليط بعضهم على بعض، وفرضت عليهم فكرها الطائفي لاختبار نواياهم تجاهها، وبنفس الطريقة فرضت الجبايات الجائرة على السكان بالقوة دون أن توفر أي خدمات لهم، وكل ذلك يذكر اليمنيين بزمن حكم الأئمة الكهنوتي. ويفيد السكان المحليون في مناطق سيطرة المليشيا الإمامية أنهم يتجنبون الكثير من استفزازات المشرفين الحوثيين وعناصرهم المنفلتة الذين يسلطونهم على الأهالي، وأن تلك الاستفزازات تؤدي بين وقت وآخر إلى حدوث مقاومة مسلحة من قبل بعض الأهالي الذين تمس العناصر الحوثية بكرامتهم أو تستبيح دماءهم وأموالهم. هذه المقاومة تزداد نسبتها في محافظة البيضاء التي تعتبر إحدى أكثر المناطق اليمنية مقاومة لحكم الكهنوت الإمامي ولنزعة الاستكبار والتعالي التي يفرضها على اليمنيين بموجب النسب العائلي، والتفريق بين المواطنين على أساس "سيد" و"قبيلي". نتيجة هذا السلوك المنافي لقيم العدل والمساواة تتوالى عمليات المقاومة الأهلية لمليشيا الحوثي في محافظة البيضاء، وصولا إلى إقدام مشرفي الجماعة على تفجير منازل آل الزيلعي وناقوس في مدينة رداع. وبحسب المعلومات المتداولة حتى الآن، أقدم شاب من آل الزيلعي على قتل عنصرين حوثيين آخذا بثأر أخيه الذي قتله مشرف حوثي قبل أكثر من عام، وهو ما يدل على عكس ما تدعيه المليشيا من حرص على تطبيق العدالة، خاصة إذا كان الجناة ينتمون إلى الهاشميين ويقاتلون في صفوفها. ما قبل الحفرة جريمة المليشيا الحوثية في حارة الحفرة برداع سبقتها جرائم حوثية عديدة في محافظة البيضاء، كما سبقها عدد من عمليات المقاومة للتسلط والاستكبار الحوثي، ولذلك لا يبدو أن هذه الجريمة ستؤدي إلى إخضاع أبناء المحافظة، بل ستزيد من نقمتهم على المليشيا ومواصلة عمليات المقاومة. حيث شهدت حارة الحفرة في 17 ديسمبر من العام الماضي، اشتباكات بين سكان الحي وحملة مدججة بالأسلحة وعشرات العناصر المسلحة الحوثية التابعة للمشرف الحوثي "أبوحسين الهرمان" الذي كان يريد اقتحام عدد من منازل المواطنين في الحي. وأوضحت المصادر في ذلك الوقت أن الأهالي منعوا المليشيا من مداهمة المنازل لتلجأ لإطلاق نيران الأسلحة المتوسطة والثقيلة على تلك المنازل وحاولت اختطاف عدد من الأهالي، بحجة انتمائهم لتنظيمي القاعدة وداعش. وتمكن الأهالي من صد الهجوم بأسلحتهم الشخصية لتندلع على إثر ذلك اشتباكات تطورت إلى حرب شوارع. والقيادي الحوثي "أبو حسين الهرمان" متهم بقتل المواطن "سيف إبراهيم الزيلعي" الذي كان يعمل بائعا للقات، وإصابة شقيقه الأصغر "عبدالله" بجروح خطيرة في سوق عريب بمديرية العرش في أواخر يونيو من العام الماضي، كما تورط في جريمة قتل وإصابة 6 مدنيين بينهم امرأتان، أواخر شهر يناير 2023 على إثر اقتحامه مع مسلحيه عددا من منازل المواطنين في حارة الحفرة، وذلك بعد أسبوع فقط من اقتحام مماثل نفذته حملة بقيادة الهرمان على خمسة منازل لمواطنين في ذات الحي. وتدل هذه الاقتحامات على أن ما تسمى أجهزة الأمن الحوثية في محافظة البيضاء، وفي مدينة رداع خصوصا، كانت تسعى لإخضاع آل الزيلعي وناقوس وسكان حارة الحفرة وإجبارهم على السكوت على جرائم مشرفيها وعناصرها، ومنها جريمة قتل سيف الزيلعي. لتأتي جريمة التاسع من رمضان بتفجير منازل أولياء الدم كخلاصة للبشاعة الحوثية التي لا تنفع معها كل أساليب التبرير وعمليات التجميل حتى من قبل قيادات المليشيا نفسها. وفي سلسلة جرائم المليشيا الحوثية في محافظة البيضاء، حرك مشرفوها في 21 فبراير الماضي حملة على منطقة الخشعة بمديرية الرياشية بذريعة البحث عن مطلوبين للجماعة بتهمة التخابر مع أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، وهي تهمة أضافتها المليشيا لأهالي البيضاء بدون أن تكترث إلى تناقضها مع تهمة الانتماء لتنظيم القاعدة. رفض الأهالي تسليم أبنائهم، فما كان من المليشيا إلا أن عززت الحملة بأطقم ومقاتلين وشنت هجوما على منازل المواطنين الذين قاوموا الهجوم ما أسفر عن سقوط عدد من مسلحي الحملة بين قتيل وجريح. وأشارت المصادر حينها إلى فشل الحملة الحوثية في إسكات بنادق الأهالي الذين واجهوا عناصرها بشجاعة، وهو ما دفع الجماعة إلى استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة تضم آليات مدرعة ودبابات، باشرت بقصف منازل القرية مباشرةً، ما أسفر عن استشهاد قرابة العشرة من الأهالي. وفي 7 فبراير الماضي أيضا، لقي أكثر من 20 مسلحا حوثيا مصرعهم في كمين نصبه مسلحون قبليون في مديرية الرياشية على إثر حملة أمنية لاعتقال مواطنين من رعاة الغنم قالت المليشيا إنهم شاهدوا عناصرها وهم ينصبون منصة إطلاق صواريخ لمهاجمة السفن في خليج عدن، واتهمتهم برفع إحداثيات بذلك. لكن رجال القبائل رفضوا تسليم أبنائهم، ودارت اشتباكات بينهم وتراجعت الحملة، فيما وضعت الحملة نقاطا في مداخل ومخارج مدينة رداع واعتقلت كل من ينتمي للرياشية. وفي 15 أكتوبر 2023، اندلعت اشتباكات مسلحة داخل معسكر خاضع لسيطرة مليشيات الحوثي في محافظة البيضاء، وقالت مصادر محلية إن الاشتباكات أسفرت عن مصرع قيادي بارز في المليشيا يدعى "هادي غانم القصمة" الذي يحمل الاسم الحركي "أبو طارق" والمعين من قبل المليشيا قائدا لما يسمى جهاز الأمن الوقائي بمحافظة البيضاء، وأصيب آخرون في اشتباكات مع مسلحين حوثيين ينحدرون من قبيلة ريام بالمحافظة. وأوضحت المصادر، أن الاشتباكات اندلعت داخل معسكر 26 ميكا المعروف بمعسكر السوادية، على خلفية خلاف حاد نشب بين المسلحين الحوثيين المنتمين إلى قبيلة ريام وعناصر جهاز "الأمن الوقائي" داخل المعسكر أثناء عملية الإعداد والتجهيز لعرض عسكري حضره رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط وعدد من القيادات العليا في الجماعة. ولفتت المصادر أن هادي غانم القصمة ينحدر من قبائل "ذو محمد" في الجوف، وأن المليشيا أبلغت وجهاء قبائل "ذو محمد" أنه تعرض لكمين مسلح على طريق البيضاء نفذته عناصر إرهابية في محاولة لزج القبائل اليمنية في قتال بيني، ولكن قبائل "ذو محمد" اتهمت قيادات حوثية رفيعة بتصفية القصمة وتداعت واحتشد رجالها في البيضاء، ورفضت استلام جثته وطالبت بتسليم القيادات الحوثية المتورطة بقتله. وفي يوليو 2022، اندلعت مواجهات عنيفة بين المليشيا الحوثية وأبناء القبائل في قرية خبزة التابعة لمديرية القريشية برداع، على خلفية مقتل ثلاثة من عناصر الميليشيا في نقطة أمنية قريبة من القرية في ظروف غامضة. وسيطر رجال القبائل في تلك المواجهات على جبل الثعالب، الذي يُعد أكبر جبل في منطقة قيفة بمحافظة البيضاء، والذي كان يسيطر عليه الحوثيون، كما سيطروا على طقمين تابعين للحوثيين. وإزاء ذلك لجأت المليشيا إلى الحيلة كعادتها عندما تواجه مقاومة شرسة، وادعت طلب الصلح والهدنة، لكنها نكثت بالعهد وهاجمت القرية بشكل مباغت بمختلف الأسلحة المتوسطة والثقيلة وفرضت حصارا على سكانها استمر أكثر من أسبوع. وفي مايو 2020، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مليشيا الحوثي ومجاميع النكف القبلي في البيضاء وعلى رأسها قبائل آل هياش، على إثر محاولة المليشيا إنشاء مواقع وتمركزات ومطارح في منطقتي الدقيق والجرداء. وأفادت المعلومات في ذلك الوقت أن قبائل آل هياش منعوا التعزيزات الحوثية من التمركز وإنشاء مطارح لها في مفرق الدقيق والجرداء المؤدي إلى ردمان ومناطق قبائل آل عوض ومركز تجمعات النكف القبلي. كما هناك الكثير من عمليات المقاومة اليومية للتسلط والاستكبار الحوثي في محافظة البيضاء، ولكن التقارير الإعلامية لا تسلط الضوء عليها. مسؤولية الحكومة وأمام بشاعة جريمة حي الحفرة وسلسلة الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي في محافظة البيضاء وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرتها بالقوة، جاء تفاعل الحكومة الشرعية مكملا لتفاعل الرأي العام اليمني الذي ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بإداناته واستنكاره للجريمة. وأصدرت الحكومة بيان إدانة للجريمة يوم وقوعها، والأربعاء، ترأس رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي اجتماعا للجنة "تقصي الحقائق" التي شكلتها الحكومة، ووجه بسرعة جبر ضرر عائلات الشهداء والمصابين، واتخاذ الإجراءات المنسقة مع مختلف الجهات المعنية من أجل توثيق الجريمة، وتخليد ضحاياها، وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب على المستويين الوطني والدولي. لكن هذه الإجراءات لا تبدو كافية مقارنة بما يتعرض له المواطنون في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية من ظلم وتنكيل وانتهاكات وصولا إلى القتل وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها، وكذلك مقارنة بما على الحكومة من مسؤولية تجاه مواطنيها. ومع تصاعد جرائم المليشيا الحوثية بحق المواطنين في مناطق سيطرتها، يرى مراقبون ونشطاء أن مسؤولية الحكومة هي السعي الجاد نحو إنهاء انقلاب المليشيا واستعادة مؤسسات الدولة بدون انتظار الإذن من المجتمع الدولي والأمم المتحدة. حيث يقولون إن هذه الجرائم، إضافة إلى تصعيد المليشيا لهجماتها على المناطق المحررة وعلى الملاحة الدولية، تكفي لكي يتحرك مجلس القيادة الرئاسي في إنهاء انقلاب المليشيا على مختلف الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية. ومن خلال حجم الإدانة والاستنكار الذي لقيته جريمة تفجير المنازل بحي الحفرة بمدينة رداع، يتضح أن هذه الجريمة ستكون جزءا من قبر كبير سيحفره اليمنيون بأيديهم وبنادقهم ليدفنوا فيه مليشيا الحوثي التي خرجت من بين غبار التاريخ، على حد تعبير بعض المعلقين.

عين الجنوب

فيديو