الاخوان المسلمون، المنهجيات والاساليب بين السرية والادلجة والشعارات

دراسات وتحليلات - منذ 3 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص


منذ نشأتها عام 1928 على يد حسن البنّا، حملت جماعة الإخوان المسلمين طابع ديني دعوي في الظاهر، لكنها في العمق كانت مشروع سياسي سري يسعى إلى الوصول إلى الحكم، وفق ما أكده كثير من الباحثين، من أبرزهم منير أديب، الذي يرى أن الجماعة ليست إصلاحية في جوهرها، وإنما تنظيم أيديولوجي يهدف إلى السيطرة على الشعوب عبر أدوات مرنة تتراوح بين الخطاب الدعوي الناعم والعمل السري والتنظيمي المحكم.


الجماعة برزت خلال العقود الماضية باعتبارها تيار مع النظم لدولة حديثة، لكن في الواقع تقوم على استبدال مفاهيمها بهياكل تقوم على الخلافة والتمكين والاصطفاء الرسالتي والكراماتي النابع من الجهل الفعلي للنصوص والتحوير النمطي للمبادىء، وهو ما يُعد تهديد مباشر، فالهوية التي تقوم عليها الدولة الحديثة تتعارض مع مشروع الجماعة القائم على التمييز العقائدي والتنظيمي، حيث لا تعترف الجماعة بمفهوم المواطنة المتساوية، بل تستند إلى الولاء للتنظيم باعتباره محور الانتماء الحقيقي، باعتبار الاسلام هو الاخوان والاخوان هو الاسلام.

تاريخياً، سعت الجماعة إلى اختراق مؤسسات الدولة من الداخل، من التعليم إلى الإعلام، ومن الجيش إلى القضاء، مستفيدة من الغطاء الديني لاجتذاب القواعد الشعبية، ولتبرير تموضعها السياسي، خاصة انها ترفع شعارات معادية للغرب. هذه الاستراتيجية جعلتها في كثير من الدول عنصر مشبوه، مزعزع، وهو ما انعكس بوضوح في التجربة المصرية بعد 2011، واليمن بعد احداث ثورة توكل.

الباحثون الذين تناولوا الجماعة، من أمثال خليل العناني وكمال حبيب وغيرهم، أوضحوا أن التنظيم يتميز بقدرته على التكيّف والتلون (النفاق)، إذ يُقدم نفسه في أحيان كحركة دعوية، وأحياناً أخرى كحزب سياسي، وأحياناً كثورة شبابية. غير أن الخطوط الكبرى لمشروعه لم تتغير: بناء دولة إخوانية تقوم على الطليعة المؤمنة (النخبة المؤدلجة) كما عبر عنها سيد قطب، والتي ترى نفسها فوق المجتمع وتحتكر تفسير الإسلام على اسلوبين الاول متطرف، والاخر ديمقراطي، ولكل اسلوب موقعه ومكانه للخطاب والتعامل.

يرى كثير من المحللين أن الجماعة شكلت حاضنة أيديولوجية لعدد من الحركات المتطرفة مثل (داعش والقاعدة)، بما فيها تنظيمات العنف المسلح القبلي، وذلك من خلال المنظومة الفكرية التي تبنتها منذ الستينات، والتي تعتبر المجتمع الجاهلي ومؤسسات الدولة الحديثة خارجة عن الدين أو منحرفة عنه، مما يُبرر مواجهتها أو إسقاطها، بمعنى أما ان يتواكب المجتمع مع منظومتنا الإيدلوجية الدينية او الجميع كفار، وسواء تم اعلان ذلك بشكل صريح كما حصل في فتوى حزب الاصلاح ضد الجنوبيين، او خفي عبر ممارسة الضغط السري عبر شبكات النفوذ الاخوانية.

في المقابل تبنّت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، خطاباً مزدوجاً تجاه الإخوان، بين اعتبارهم حائط صد أمام التطرف العنيف وبين التغاضي عن علاقتهم الفكرية والتنظيمية ببعض الجماعات العنيفة. غير أن تقارير ودراسات بحثية بدأت في السنوات الأخيرة تُحذر من تغلغل الجماعة في الجاليات الإسلامية في الغرب واستخدامها كمنصات نفوذ سياسي وفكري، وهو ما أشار إليه تقرير البرلمان البريطاني عام 2015، الذي خلص إلى أن عضوية الجماعة مؤشر محتمل على التطرف، وبالرغم لا يزال الغرب ينظر الى الجماعة كأداة قابلة للإستغلال مفضلاً عدم التحرك الجدي ضدها على الاقل حتى الان، رغم الدعوات من شعوب المنطقة التي تحث على حظر الاخوان.

لكن في فرنسا، أخذت التحذيرات من جماعة الإخوان المسلمين بعداً عملياً على الأرض، بحسب ما أكدت جادو، عضو مجلس مدينة فرساي وأستاذة القانون العام. فالحكومة – بقيادة الرئيس ماكرون – لا تقتصر في مواجهتها على الرصد والتحقيق، بل تجاوزت ذلك إلى اتخاذ إجراءات قانونية وأمنية مباشرة، هدفها منع التنظيم من استغلال الجمعيات الثقافية والاجتماعية في التغلغل السياسي والديني.

الاستراتيجية الفرنسية هي متعددة المسارات:

أولاً، هناك تحرك فرنسي نشط لجعل موقف أوروبا موحداً تجاه الإخوان. ففي 19 مايو 2025، تعاونت فرنسا مع النمسا لدفع الاتحاد الأوروبي لاعتماد إجراءات صارمة ضد تمويل أو نشاطات إرهابية مقنّعة تنتهك "القيم الأوروبية" . وتقدّم باريس دليلاً يؤكد دور جمعيات مرتبطة بالإخوان في التأثير على صُنّاع القرار الأوروبي، لا سيما في البرلمان وبرامج مثل "الحريات الدينية" و"مكافحة الإسلاموفوبيا" .

ثانياً داخلياً، أعلنت باريس عن خطوات قانونية صارمة تتضمن:

فسخ العقود مع مؤسسات تعليمية مرتبطة بالتنظيم، وتعليق الاعتراف بالمجلس الإسلامي الفرنسي السابق في 2022، ثم استحداث “منتدى الإسلام في فرنسا” عام 2023، ضمن مسعى لضبط الأذرع الجمعوية للإخوان .

تشديد الرقابة على إنشاء الجمعيات، تزامناً مع تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية لرصد النشاطات غير الظاهرة، أو التحرك عند إشارات الانتماء إلى التنظيم، سواء عبر الترحيل أو السجن .

اعتماد نهج مزدوج: مكافحة "الانفصال الإسلامي" دون استهداف المسلمين عموماً، إذ شددت الحكومة على التفرقة بين الإسلام كشعيرة دينية وبين الإسلام السياسي الذي يستغل الدين لمشاريع أيديولوجية ومنهجية .


ثالثًا، تنويه لدور الأجهزة الأمنية: تقرير حكومي قدّم في مايو 2025 وخُصّص لمجلس الدفاع (Conseil de défense)، وصف الإخوان كتهديد للوحدة الوطنية عبر استراتيجية "التغلغل الناعم" داخل المساجد والمدارس والجمعيات، دون عمل إرهابي مباشر . أجهزة حكومية تراقب الشبكة جيداً، وتعرف أنها بنية منظمة تضم مدارس، مؤسسات اجتماعية واسواقاً ثقافية تبلغ نحو 280 كياناً.

إلى أي مدى يهدد الإخوان دولاً أوروبية أخرى؟ لا يقتصر الأمر على فرنسا، فقد دعت بيانات من ألمانيا إلى مراقبة التنظيم وأذرعه مثل "Islamic Center Munich" وإقصائها من الهيئات الإسلامية الرسمية ، وشهدت دول مثل السويد وبلجيكا خطوات مماثلة. فرنسا تأمل أن يُصدر الاتحاد الأوروبي بياناً مشتركاً لتقييد عمل الجماعة ونشاطها في جميع الدول الأعضاء .

في سياق شمال اليمن، تربط مصادر أزمة الغاز المنزلي في تعز بشبكة وكلاء مرتبطة بحزب الإصلاح الإخواني، كما يشكّل انقطاع الكهرباء في عدن جزءاً من خطة اشارت فيه مصادر جنوبية انها "مدبّرة" لخلق الفوضى . بينما يرى اخرين أن المشروع الإخواني يعمل لخدمة مشروع جماهيري سياسي يعتمد التغلغل عبر الخدمات، والترابط مع جهات قبلية لتحقيق السيطرة وتحويل الدولة إلى ملعب للصراع الأيديولوجي.

عند النظر الى نماذج اخرى يرى ان المشروع الاخواني يتخذ نهجاً شبيهاً بما تتبعه ميليشيا الحوثي في شمال اليمن—لكن بشفرة استراتيجية مختلفة: الحوثيون يعلنون هويتهم العلنية، بينما الإخوان ينشطون عبر واجهات تبدو ثقافية أو اجتماعية، بهدف إخفاء ارتكازهم على "الولاية الإخوانية".

بحسب منير أديب، الإخوان هم تنظيم أيديولوجي لا يملك مشروعاً إصلاحياً، هدفه الوصول إلى الحكم بأي وسيلة. والطريقة التي يمارسونها في السياسة مبنية على خطاب مزدوج: ظاهر دعوي وباطن سياسي، يسيّس الدين ويستهدف مقدرات الشعوب وطموحاتها، عدى عن استراتيجياتهم في تخريج كوادر أيديولوجية عبر "الكرامات" والخوارق بوصفها إثباتاً على مصداقيتهم لدى القواعد كنهج يشبه ما تتبعه الصوفية. بالرغم أن الصوفية تتميز بأسلوبها الذي يعزز الاستقرار الاجتماعي لدى الدول وشعوبها.

من هنا يتضح انه للتصدّي لهذا المشروع المدمر، يحتاج المجتمع العربي – كما في أوروبا – إلى مراجعة العلاقة بين الدين والسياسة. فمن الضروري أن لا يحوّل الدين إلى أداة للسيطرة والتفريق، بل لتقوية القيم الإنسانية والاجتماعية، وتعزيز الهوية الوطنية التي تتناسق مع توجهات الشعوب. كما أن التعامل مع تهديد الإخوان لا ينبغي أن يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل يشمل تصفية الأطر الفكرية، وتحصين المجتمع عبر تنمية ثقافة الدولة المدنية التي تحافظ على هويات الشعوب وتنوعها، وتجديد الخطاب الديني ليكون داعماً للتربية الاسلامية السمحة والتعايش، وبما يضمن استقرار وتحقيق تطلعات الشعوب التي عانت من هذه الجماعات، وابرزهم شعب الجنوب، في الثلاثة العقود الماضية.

فيديو