تحليل : وسائل التواصل الاجتماعي.. سلاح ذو حدين يهدد شباب الجنوب بين الوعي والانحراف"

دراسات وتحليلات - منذ 14 ساعة

عدن، عين الجنوب| خاص 

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، لم يعد الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي ترفًا فكريًا، بل ضرورة ملحّة تفرضها طبيعة العصر. وفي الجنوب، حيث يعيش الشباب مرحلة دقيقة من البناء والتشكّل، تحوّلت هذه الوسائل إلى سلاحٍ ذو حدّين؛ إما أن تكون جسرًا نحو الوعي والانفتاح، أو بوابة إلى الانحراف والضياع.

قبل أيام، دشّن المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة الضالع حملة توعوية تهدف إلى التحذير من مخاطر الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي. هذه الحملة جاءت استجابةً لتصاعد مؤشرات الإدمان الرقمي بين الشباب، وما نتج عنه من آثار نفسية واجتماعية وتعليمية مقلقة.

فوسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت للعالم أبوابًا واسعة من التواصل، وساهمت في نقل المعارف والثقافات وتقريب الشعوب، باتت اليوم أيضًا منصةً تبثّ الانحرافات الفكرية والسلوكية، وتزرع بذور العزلة والإدمان.

الشباب في الجنوب، كغيرهم من شباب العالم، وجدوا في هذه الوسائل نافذة للتعبير والتفاعل، لكنها تحوّلت في أيدي البعض إلى أداة للهروب من الواقع، ومصدرًا للتشتّت الذهني والانحدار الأخلاقي. فمن خلال هذه المنصات، يسهل الوصول إلى محتوى مخلّ بالآداب، وإلى علاقات افتراضية تنتهي أحيانًا بكوارث اجتماعية كالهروب من المنازل أو الانحراف السلوكي.

ويحمل أولياء الأمور جزءًا كبيرًا من المسؤولية، إذ إن غياب الرقابة الأسرية والمتابعة اليومية فتح الباب أمام الأبناء لاستخدام غير منضبط للتقنية، مما جعلهم عرضة للانجراف وراء محتوى سلبي أو ألعاب إلكترونية تستنزف الوقت والطاقة، وتؤدي إلى الإدمان الرقمي الذي ينعكس على الأداء الدراسي والصحة النفسية والبصرية.

لكن، في المقابل، لا يمكن إنكار أن هذه الوسائل تمثل أيضًا فرصة حقيقية للنهوض والتطور، متى ما تم توجيه استخدامها بشكل واعٍ ومسؤول. فهي منصات للتعليم الذاتي، ومجال واسع للإبداع وريادة الأعمال، ومصدر لا ينضب للمعلومات والتواصل العلمي والثقافي.

إن حملة المجلس الانتقالي في الضالع تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، فهي لا تكتفي بالتحذير من المخاطر، بل تسعى لغرس ثقافة الاستخدام الإيجابي والواعي للتكنولوجيا بين أوساط الشباب. فالمجتمع بحاجة ماسة إلى خطاب توعوي مستمر، يُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والتقنية، ويحوّلها من خطرٍ داهم إلى أداة بناء.

وفي النهاية، يمكن القول إن معركة الوعي هي الأهم في مواجهة هذا الخطر الصامت، فالتقنية ليست شرًّا في ذاتها، بل مرآة تعكس وعي مستخدمها. والشباب في الجنوب، إن أحسنوا استخدام وسائل التواصل، يمكن أن يحوّلوها إلى وسيلة للنهوض بمجتمعاتهم، لا وسيلة لهدمها.

فيديو