تحرير حضرموت… قراءة سياسية في أبعاد العملية وتداعياتها الإقليمية والدولية

السياسة - منذ ساعتان


عين الجنوب||خاص         


استحوذت عملية تحرير حضرموت على اهتمام واسع في الأوساط الإقليمية والدولية، باعتبارها واحدة من أكثر التطورات تأثيرًا في المشهد اليمني خلال المرحلة الراهنة. ولم يكن هذا الاهتمام نابعًا من البعد العسكري للعملية فحسب، بل من تداعياتها السياسية والأمنية، وما تحمله من مؤشرات حول مستقبل الصراع وإعادة تشكيل موازين القوى في البلاد.

محاولات التشويش الإعلامي وتزييف الحقائق

في خضم هذه التطورات، سعت بعض الأصوات الإعلامية والنخب السياسية اليمنية الفاشلة إلى توظيف ملف حضرموت بطريقة مضللة، عبر تصوير تحركات قوات المجلس الانتقالي باتجاه الشرق وكأنها خلقت خلافات بين السعودية والإمارات.
غير أن هذه الرواية تتجاهل حقيقة راسخة، تتمثل في متانة العلاقة بين الرياض وأبوظبي على مستوى القيادة والنخبة، واستمرار التنسيق السياسي والعسكري بينهما وفق سياسة متوازنة تراعي المصالح المشتركة، بما في ذلك الملف اليمني.

فشل مشروع الوحدة منذ البدايات

منذ اليوم الأول لإعلان الوحدة، لم تبذل النخب اليمنية المتعاقبة أي جهد حقيقي لبناء دولة وطنية جامعة أو هوية جامعة. بل تحولت الشراكة السياسية بين القوى المتنفذة إلى صراع مبكر على السلطة والثروة، لا سيما بعد حرب 1994، التي فُرضت بالقوة وأطلقت شرارة الاختلالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ومع عسكرة الميزانية وتضخم الصراعات، بدأت ملامح فشل مشروع الوحدة بالظهور، وصولًا إلى حالة الانقسام العميق التي تعيشها البلاد اليوم.

الهوية والثروة… جذور الصراع

تجلّت نتائج صراع النخب في مفهومي الهوية والسيطرة على الموارد، حيث جرى التعامل مع المناطق الجنوبية والشرقية، وفي مقدمتها حضرموت، بوصفها مناطق مانحة لبقية البلاد، نظرًا لما تختزنه من ثروات نفطية وموقع استراتيجي.
إلى جانب ذلك، لعب العامل الثقافي والتاريخي دورًا مهمًا في تعميق الهوة، ما زاد من حدة التوتر بين المركز والأطراف.

حضرموت بين التهريب والإرهاب

عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء، تحولت حضرموت، خصوصًا واديها، إلى ممر رئيسي لتهريب الأسلحة والمخدرات القادمة من إيران إلى الحوثيين، إضافة إلى تحولها إلى بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيما القاعدة وداعش.
هذا الواقع دفع الجنوبيين، عبر المجلس الانتقالي، إلى التأكيد بأن كل الخيارات السلمية السابقة لاستعادة الأمن والاستقرار في وادي حضرموت قد استُنفدت.

عملية “المستقبل الواعد”… الحسم بعد استنفاد البدائل

جاءت عملية “المستقبل الواعد” لتُخرج قوات المنطقة العسكرية الأولى من حضرموت، في أعقاب ضبط أدلة تؤكد تورطها في أدوار غير وطنية، شملت التعاون مع جماعات إرهابية، والمشاركة في أعمال تخريبية داخل الجنوب، إلى جانب التحكم بعائدات النفط وتوظيفها في تمويل أنشطة مشبوهة داخل اليمن وخارجه.

مكاسب استراتيجية تتجاوز الداخل

لا تمثل خطوة تحرير حضرموت مجرد استعادة السيطرة على محافظة ذات أهمية بالغة، بل تحقق مكاسب عسكرية واستراتيجية في شرق البلاد، دون أن تصب في مصلحة طرف إقليمي على حساب آخر.
فالعملية تُسهم في تجفيف منابع الإرهاب، وقطع خطوط الإمداد والتهريب الممتدة من بحر العرب والمهرة ووادي حضرموت إلى الحوثيين، ما يضعف قدراتهم الميدانية ويحرج طهران دوليًا، خصوصًا في ظل التقارير المتزايدة عن تورطها في تهريب السلاح المستخدم ضد المناطق المحررة ودول الخليج والممرات البحرية الدولية.

حضرموت ومستقبل اليمن

إذا ما استقرت حضرموت تحت سلطة جنوبية موحدة، فإن ذلك قد يدفع عددًا من الدول إلى إعادة تقييم موقفها من ملف وحدة اليمن. كما قد تُعيد هذه التطورات إحياء النقاش الدولي حول خيار الدولتين، في ظل الفشل المتكرر لكل محاولات إعادة بناء الدولة الموحدة خلال العقود الماضية.

بهذا المعنى، لا تبدو عملية تحرير حضرموت حدثًا عابرًا، بل محطة مفصلية قد تعيد رسم خريطة الصراع، وتفتح الباب أمام تحولات سياسية كبرى في اليمن والمنطقة.

فيديو