أبو صالح اليافعي

سياسة الشد من الأطراف وإستراتيجية إنهاك المشروع الجنوبي

مقالات - 27 day ago

عين الجنوب | مقالات

منذ لحظة إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017 بدا واضحاً أن الساحة السياسية الجنوبية دخلت مرحلة جديدة من الاصطفاف والتنافس بين مشروع وطني جامع يسعى لاستعادة الدولة الجنوبية وبين مشاريع أخرى ذات طابع مناطقي أو حزبي أو وظيفي ترتبط مصالحها ومواقفها بقوى إقليمية ودولية أو بعوامل ذاتية تتعلق بمخاوف النفوذ والتمثيل .
لم تكن المعارضة لقيام المجلس الانتقالي معزولة أو عفوية بل جاءت من أطراف رأت في المجلس تهديداً حقيقياً لترتيبات سياسية سابقة كانت سائدة قبل لحظة التأسيس . البعض عارضه انطلاقاً من حسابات سياسية تخص ارتباطاته الإقليمية ، والبعض الآخر بسبب مخاوف من خسارة النفوذ داخل مؤسسات الدولة ، أو تراجع فرصه في التمثيل الجنوبي مستقبلاً .
ما لبثت هذه الأطراف تحولت إلى مكونات قائمة بذاتها ، بعضها أنشئ خصيصاً كرد فعل مضاد على نشوء المجلس وتلقى دعماً مالياً وإعلامياً مباشراً من أطراف إقليمية ودولية سعت إلى الإبقاء على الجنوب ممزقاً سياسياً ليظل بعيداً عن أي تمثيل موحد في المحافل الإقليمية أو الدولية .
وقد تجلّت أدوات هذه المكونات في الآتي:
ـ إنشاء كيانات سياسية بديلة تُسوّق نفسها كممثلة للجنوب أو لجزء منه ولو أنها لا تحظى بأي حضور شعبي يُذكر .
ـ تأسيس منصات إعلامية ممولة بشكل موجه لمهاجمة المجلس وتحريض الشارع عليه.
ـ تنشيط حملات حقوقية مشبوهة تحاول تسويق صورة المجلس كمُنتهك للحقوق ، رغم أن غالب تلك الحملات تغضّ الطرف عن الانتهاكات التي ترتكبها قوى مناوئة في مناطق أخرى .
ـ توظيف شخصيات جنوبية إعلامية وسياسية واجتماعية سابقة في مراكز سلطة ، ممن فقدوا نفوذهم السياسي في الجنوب لإنتاج خطاب متطرف يتقاطع مع خطاب الخصوم التقليديين للجنوب وإبرازهم على أنهم صوت جنوبي معارض للمجلس الانتقالي .

في هذا السياق وبعد أن عجزوا في ٢٠١٨ و ٢٠١٩ على مواجهة الانتقالي بشكل مباشر ذهبوا إلى تطبيق المصطلح السياسي الذي يعرف بسياسة \"الشد من الأطراف\" بشكل ممنهج والذي يستند على تفجير المشهد من داخله دون الحاجة إلى الصدام المباشر عبر محاولة الإنهاك التدريجي عن طريق :
ـ فتح ملفات فرعية متزامنة في عدن وشبوة وأبين وحضرموت والمهرة ، تحت عناوين مطلبية أو خدمية أو حقوقية أو مناطقية أو سياسية .
ـ الدعم وتسليط الضوء بشكل كبير على أي تحركات احتجاجية موسمية بأهداف متداخلة وغير واضحة بهدف تفجير بيئة العمل السياسي والإداري للمجلس واشغاله في صراعات داخليه .
ـ تشجيع أي تباينات داخل مكونات المجلس من خلال التوظيف الإعلامي ومحاولات تصعيد خلافات ثانوية إلى مستوى الصراع الداخلي تحت مسميات الإقصاء والتهميش والمركزية .

كل هذه التكتيكات تُحاك في وقت تتعاظم فيه التحديات الأمنية والاقتصادية والخدمية التي تستهدف حاضنة المجلس الانتقالي الشعبية والتي تدعمها وتغطيتها شخصيات سياسيه مؤثرة في صنع القرار في داخل الشرعية نفسها ، في محاولة لدفع المجلس إلى حالة المواجهة لوقف هذه التحديات وبالتالي تصنيفة كمتمرد على الشرعية أو التماهي مع هذه المرحلة بكل تعقيداتها وبالتالي يظهر أمام حاضنته الشعبية بأنه تنازل عن هدفه وعن القضية واكتفى بمناصب السلطه .

الكثير منا يدرك أن المجلس الانتقالي اليوم يتحمل مسؤولية مضاعفة ليس فقط في مقاومة هذه الضغوط بل في ضرورة الاستباق السياسي والتنظيمي الذي يحصّنه أمام كل محاولات التفكيك التي تستهدف كيانه ولذا فإننا ننصح بالآتي :
1. ضرورة إعادة صياغة الأدواته الإعلامية وبما يضمن امتلاك السردية الوطنية والتصدي لحملات التضليل عبر منابر إعلامية مهنية بعيدة عن الانفعال والارتجال .
2. ضرورة مراجعة الأداء الإداري والمؤسسي وتصويب مسار العمل في المؤسسات التابعة للمجلس لا سيما في العاصمة عدن لتقديم نموذج ناجح يكسب المواطن ثقة أكبر بمستقبل آمن .
3. ضرورة الاستمرار بنهج تعزيز الشراكة الجنوبية عبر فتح المجال لمشاركة لمكونات وطنية اضافية تؤمن بمبدأ التحرير والاستقلال وإن اختلفت في الوسائل ما دام الهدف مشتركاً .
4. ضرورة الاستمرار بتمتين الجبهة الداخلية وخلق بيئة سياسية داخلية تتسع للنقد المسؤول والتقويم ، وتغلق الطريق أمام المزايدات أو الاستقطابات التي تُدار من الخارج .

خاتمة .. 
المرحلة الراهنة تتطلب أعلى درجات الوعي والانضباط مع إدراك أن المجلس الانتقالي ليس الغاية النهائية التي نود الوصول إليها ، بل الوسيلة الأكثر واقعية حتى اللحظة لتحقيق حلم الجنوب في الاستقلال والحفاظ عليه يعني الحفاظ على ذلك الحلم من أن يتحوّل إلى مجرد ذكرى

فيديو