أبو صالح اليافعي

استراتيجية الإصلاح الثابتة في الابتزاز وتزوير التاريخ

مقالات - 18 day ago

لم تكن المقابلة المطولة للقيادي في حزب الإصلاح صلاح باتيس عبر بودكاست \"أثير مسند\" مجرد سردية شخصية لأحداث مضت ، بل كانت بمثابة عرض حي ومكثف لاستراتيجية سياسية ثابتة لم تتغير لأستخدام \"الابتزاز السياسي\" و\"تزوير التاريخ\" كأدوات أساسية للبقاء وفرض النفوذ . 
المقابلة تكشف وبشكل فج عن خيط واضح يربط بين مساومة الشرعية في صنعاء عشية سقوطها ، وهو التكتيك ذاته الذي استخدمه الحزب مع التحالف في الجبهات العسكرية التي يسيطر عليها ، ويُعاد تدويره اليوم بأساليب أكثر خبثاً لابتزاز وتفخيخ المشروع الوطني الجنوبي من الداخل .
اختيار صلاح باتيس لتقديم هذه السردية ، وهو شخصية جنوبية حضرمية ، لم يكن عشوائياً. فبعد أن انكشف حزب الإصلاح بشكل واسع في تخاذله وابتزازه السياسي منذ تأسيسه وحتى اليوم ، وبعد أن أصبح يلعن صباحاً ومساءً في الأوساط الجنوبية ، بات الحزب بحاجة إلى واجهة \"جنوبية\" و\"حضرمية\" لتسويق خطابه المتهالك في محاولة يائسة لإعادة تدوير خطاب مرفوض شعبياً في الجنوب ، عبر تصدير شخصية قد تحظى ببعض القبول الشكلي في محيطها ، في محاولة لغسل سمعة الحزب وتمرير أجندته الخفية .
 
الابتزاز كعقيدة سياسية: من المساومة على صنعاء إلى زرع الفتنة في الجنوب

في لحظة نادرة من الكشف الصريح ، يقدم باتيس بنفسه دليلاً دامغاً على العقلية التي حكمت تصرفات حزبه في أحلك الظروف . يروي بفخر كيف قدم حزبه عرضاً للرئيس هادي مفاده : \"سلم لنا الشرعية الكاملة ونفذ ما نقول لك ، مقابل قرار من التنظيم بتحريك عشرة آلاف مقاتل لحمايتك والحكم بأسمك\".
وهذه ليست شهادة للتاريخ بل هي اعتراف موثق بأن الدفاع عن صنعاء لم يكن واجباً وطنياً مقدساً لديهم ، بل كان سلعة سياسية لها ثمن باهظ هو \"السلطة الكاملة\". هذا المنطق ، الذي يرى في أمن الدولة ورقة مساومة ، يفسر الكثير من سلوك الحزب اللاحق ، خصوصاً صمته المريب عند انتشار الحوثة في صنعاء وصولاً إلى عدن ولقاءات وفوده مع قيادات الحوثيين آنذاك في صعدة بعد الانقلاب ، في محاولات بائسة للبحث عن دور في سلطة الأمر الواقع الجديدة التي فرضها الحوثي في صنعاء .

هذا التكتيك لم يدفن تحت أنقاض صنعاء ، بل تم استنساخه وتكييفه ليواجه الواقع السياسي الجديد في الجنوب . فما نشهده اليوم من دعم محموم لإنشاء مكونات سياسية متعددة في حضرموت والمهرة وشبوة ، ليس نابعاً من حرص على حقوق هذه المحافظات بل هو تطبيق لنفس منطق الابتزاز \"إما أن تمنحونا حصة وازنة في قيادة شكل ومستقبل الجنوبي وفق الرؤية التي نراها ، أو سنضمن تفكيك الجنوب من الداخل عبر كيانات موازية ترفع شعارات مناطقية\". هذه المكونات المصطنعة هي \"العشرة آلاف مقاتل\" في نسختها الجديدة ، لكنها موجهة هذه المرة ضد المشروع الوطني الجنوبي تحديداً .

مغالطة \"عدن كصنعاء\" : التزوير المتعمد للتاريخ 

الأداة الفكرية الأخطر التي يستخدمها باتيس وإعلام حزبه لتسويق هذا الابتزاز وأكد عليها في مقابلته هي \"مغالطة الإسقاط\" التي يتم الترويج لها بشكل ممنهج وهي فكرة أن عدن ستمارس على المحافظات الشرقية (حضرموت، شبوة، المهرة، سقطرى) نفس الإقصاء والتهميش الذي مارسته صنعاء على بقية المحافظات في محاولة خبيثة لزرع الخوف في وعي أبناء هذه المحافظات وتصوير المشروع الجنوبي على أنه مجرد استبدال لهيمنة بهيمنة أخرى .
هذه المقارنة ليست مجرد تحليل خاطئ وطارىء بل هي سياسة تزوير وقح للتاريخ ، وتجاهل متعمد لحقيقة أن دولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) لم تكن دولة \"مركز وأطراف\"، بل كانت دولة شراكة حقيقية كانت المحافظات الشرقية هي قلب السلطة وصانعة القرار فيها .
 التاريخ الموثق لدولة الجنوب يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أبناء تلك المحافظات كانوا في قمة هرمها السياسي والعسكري والأمني . كانوا هم من يصنعون القرار في العاصمة عدن ، لا من يتلقونه. فكرة أنهم كانوا \"مهمشين\" أو \"أطرافاً\" هي كذبة تاريخية لا يمكن أن تصمد أمام سجلات التاريخ ، وهدفها الوحيد هو ضرب الثقة بين مكونات الجنوب وتبرير مشاريع الهدم التي تخدم أجندة الحزب اللاعين وليس مصالح أبناء الجنوب .
 
شعار \"حضرموت ليست شمالية ولا جنوبية\" : 
أخيراً ، يقول صلاح باتيس أنه من أطلق شعار \"حضرموت لا شمالية ولا جنوبية\" وألحقه فوراً بقولة هي \"جزء من يمن اتحادي كبير\" . وهنا تتضح المناورة السياسية التي سيق إليها السذج حين استخدام النصف الأول من الشعار الذي يلامس شعوراً حقيقياً عند البعض ، لكن تم إخفاء النصف الثاني الذي يكشف الهدف الحقيقي لإبقاء حضرموت مرتبطة بصنعاء ، ومنعها من أن تكون الرافعة الطبيعية لمشروع الدولة الجنوبية الفيدرالية .

فيديو