أنقرة تلتف على العقوبات المفروضة على موسكو

تقارير - منذ 3 أيام

روسيا وتركيا وكازاخستان... تجارة السلع الفاخرة والعلاقات المعقدة

عين الجنوب | تقرير - خاص


في ظل العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا عقب حربها ضد أوكرانيا، وجد أثرياء روسيا أنفسهم في موقف صعب، حيث انسحبت العديد من العلامات التجارية الغربية الفاخرة من الأسواق الروسية. ومع ذلك، أظهر أثرياء روسيا مرونة كبيرة في التكيف مع الوضع الجديد، حيث لجأوا إلى أسواق بديلة مثل تركيا وكازاخستان للحصول على المنتجات الفاخرة التي لم تعد متوفرة في بلادهم.

تُعتبر تركيا وكازاخستان اليوم من أبرز الوجهات التي يعتمد عليها أثرياء روسيا للوصول إلى السلع الغربية. تركيا، على وجه الخصوص، تلعب دور مزدوج في هذه الديناميكية. فمن جهة، تُعتبر عضو في حلف شمال الأطلسي (النيتو) وتتبنى مواقف داعمة للحلفاء الغربيين على الورق، ومن جهة أخرى، تسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية من خلال الانفتاح على روسيا، حتى في ظل العقوبات. خاصة في ظل تطور العلاقة بين روسيا وتركيا بعد تسلمها سوريا.

وفي ظل التطبيقات الإلكترونية ومنصات التجارة الرقمية أصبحت هذه المنصات الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها أثرياء روسيا للحصول على السلع الفاخرة. من خلال هذه التطبيقات، يتمكن العملاء من طلب كل شيء، بدءاً من الملابس الراقية وحتى السيارات الفاخرة، والتي تُشحن من تركيا وكازاخستان عبر قنوات غير مباشرة. هذه التجارة تنعش الاقتصادات المحلية في هذه الدول، لكنها تثير تساؤلات حول مدى التزامها بالعقوبات الغربية.

تُظهر العلاقات التركية-الروسية تناقض واضح. ففي حين أعلنت تركيا دعمها لأوكرانيا وبيعها طائرات (بيرقدار) المُسيّرة لكييف، تعمل في الوقت نفسه على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع روسيا. تركيا استفادت من خروج الشركات الغربية من السوق الروسية، حيث أصبحت ممراً رئيسياً للبضائع التي يسعى الأثرياء الروس للحصول عليها.

يُشير مراقبون إلى أن أنقرة ترى في العقوبات الغربية فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية لإستغلالها، خاصة في ظل أزماتها الاقتصادية الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، وهو ما يثير قلق شركائها في النيتو.

اما كازاخستان، الجارة الروسية، فيبدو أنها تلعب دور تكميلي في هذه المعادلة. من خلال حدودها المشتركة مع روسيا وعلاقاتها الاقتصادية القوية معها، أصبحت كازاخستان مركزاً مهماً لنقل السلع والبضائع. الحكومة الكازاخستانية، رغم إعلانها احترام العقوبات الغربية، تجد نفسها في موقف صعب بين الحفاظ على علاقاتها مع موسكو وعدم تجاوز الخطوط الحمراء مع الغرب.

بينما تركيا والتي يبدو أنها تسعى لتحقيق غاياتها الاستراتيجية على حساب شركائها في الغرب. من خلال تعزيز تجارتها مع روسيا وتوفير قنوات بديلة للوصول إلى الأسواق الغربية، غير آبهه بمخاطر إثارة حفيظة حلفائها. هذا النهج لا يقتصر على التجارة فقط، بل يشمل أيضاً سياسات تركيا في قضايا إقليمية أخرى مثل سوريا، حيث تحاول الموازنة بين المصالح المتعارضة لتحقيق مكاسب وطنية.

وفي هذا السياق، عدة جهات غربية أعربت عن قلقها من الدور التركي والكازاخستاني في الالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا. وهناك مخاوف من أن هذا التعاون غير المباشر قد يعزز من قدرة موسكو على الاستمرار في حربها ضد أوكرانيا. التحذيرات لم تقتصر على التصريحات السياسية، بل تضمنت تهديدات بفرض عقوبات على الشركات والأفراد المتورطين في تسهيل التجارة مع روسيا أي طرف كان.

العلاقة المبطنة بين تركيا وروسيا تمثل مثالاً على تعقيدات الجغرافيا السياسية في العالم الحديث. في حين أن العقوبات الغربية تهدف إلى عزل روسيا، تُظهر التحركات التركية والكازاخستانية أن هذه العقوبات ليست محصنة ضد الثغرات. هذه الديناميكية تثير تساؤلات حول مدى قدرة الغرب على إلزام أعضاءه في مواجهة التحديات المشتركة، خاصة مع وجود شركاء يسعون لتحقيق مكاسب على حساب المصلحة الجماعية، وهذا الامر ينطبق على تركيا في هذه الحالة.

فيديو