فشل حكومي وصرخات شعب

السياسة - منذ 18 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص
في الجنوب، حيث يعاني الناس من ظلم الفقر وتفاقم الأزمات الاقتصادية، لا يمكن تجاهل أن هناك شيئاً أكبر من الظروف المحيطة: هناك فساد حكومي متغلغل في عمق المؤسسات، يدير دفته مجلس القيادة الرئاسي الذي بدلاً من أن يكون مصدر أمل لوقف معاناة الشعب وفقاً لحسابات خارجية، بات جزء من المشكلة. وللأسف، لم يعد هناك أي خجل من الخوض في تفاصيل هذا الفساد، بل أصبح مشهد يومي في الوزارات، في المؤسسات، وفي تقارير وسائل الإعلام التي تفضح ما يجري خلف الأبواب المغلقة.

على مدار السنوات الماضية، شاهد الجنوب هذا الصراع الداخلي بين قوى أحزاب اليمنية، وازدادت مشاعر الإحباط عندما بدأ الكثيرون في الربط بين تدهور الأوضاع وتزايد الأزمات وبين تلك الوعود البراقة التي لم تتحقق على أرض الواقع. لكن من الواضح الآن أن المشكلة أبعد وأعمق من مجرد فشل حكومي عرضي، بل هي فساد منظم، تديره حلقات قوى متنفذة مستفيدة من حالة الفوضى التي يعيشها الجنوب.

في قلب هذا الوضع، كان مجلس القيادة الرئاسي هو الواجهة التي حاولت أطراف تقديمها على أنها الحل. لكن الواقع كان أبعد من ذلك، فقد سرعان ما تكشّف أن الفساد في أعلى هرمه لم يكن استثناء، بل كان هو القاعدة. تقارير موثوقة، بدأت تشير إلى فساد، من استغلال للموارد إلى اختلاس أموال طائلة. وبالتوازي مع ذلك، أصبحت التحقيقات الصحفية تفضح الروابط المشبوهة بين احزاب اليمنية داخل الحكومة وشركات أو شخصيات متورطة في صفقات مشبوهة تضر بمصالح الجنوب.

إن قضية فساد مجلس العليمي هي نتاج سياسة ممنهجة قائمة على الاستحواذ. تقارير الصحف الدولية والإعلام الجنوبي أكدت تورط بعض الأسماء البارزة في صفقات فساد ضخمة تتعلق بإيرادات الدولة، دون أن يكون هناك أي إشارة إلى محاسبة حقيقية أو حتى محاولة لمعالجة الأمر. هؤلاء المسؤولون، الذين يسيطرون على مفاصل الدولة، يظلون بمنأى عن المحاسبة بينما يعيشون من إجتماع الى آخر في الخارج في حين يقبع المواطن الجنوبي في دوامة من الفقر والتهميش.

الحديث عن الفساد هو محصلة لسنوات من الصمت المريب من قبل الحكومة والتي أعجبها هذا الأمر. المشكلة ليست في قلة الموارد، بل في كيفية إدارتها واستغلالها. وعندما يُسأل المواطن الجنوبي عن سبب تدهور الأوضاع، تكون الإجابة واحدة: الفساد. كيف لا؟ ونحن نرى المبالغ الطائلة التي تذهب هباءاً بينما يظل الشعب الجنوبي يعاني من قلة الموارد والظروف المعيشية التي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم.

لكن ما يزيد الأمور تعقيداً هو أن هذا الفساد يتم تبريره دائماً بحجج غير منطقية: إما أن الأمور تتطلب وقتاً حتى يتم تحرير العربية اليمنية، أو أن الوضع الأمني لا يساعد في تنفيذ المشاريع، أو أن الموارد لا تكفي. هذه المبررات لم تعد تُقنع أحد، بل أصبحت وسيلة للتهرب من المسؤولية والتستر على واقع متدهور. وكلما زاد العبث، كلما ازداد الشعب قناعة بأن لا أمل في هذه الحكومة الفاسدة.

والأمر لا يتوقف عند حدود الفساد المالي، بل يمتد إلى فساد إداري يطال كل شيء، من المساعدات الإنسانية التي يتم التلاعب بها إلى مشاريع البناء التي تبدأ ثم تختفي الأموال المخصصة لها. وفي الوقت الذي يُحرم فيه المواطنون من أبسط حقوقهم، يستمر العليمي وأحزاب اليمنية في استغلال سلطتهم بكل الطرق الممكنة.

اليوم، لم يعد الشعب الجنوبي يقبل بهذه الأوضاع، ولم يعد السكوت عن هذه الممارسات ممكناً. الأصوات التي كانت تُخنق في الماضي أصبحت الآن تعلو، وهناك من يرفض أن يكون جزءاً من هذه المعادلة التي تستمر في إفقار الشعب. المطلوب اليوم ليس وعوداً جديدة، بل فعلاً حقيقياً يتسم بالمحاسبة على كل مستوى. فالمسؤولية لا تقع فقط على عاتق الشعب الذي يجب أن يتحمل ثمن الفشل الحكومي، بل هي مسؤولية مباشرة على قيادته الذين يجب أن يدركوا أن الصمت أمام فشل الحكومة لا يغتفر.

شعب الجنوب اليوم يطالب بتغيير حقيقي في طريقة إدارة البلاد. ليس بالضروري أن تتوقف الأمور عند مجرد استبدال أفراد، بل يجب أن يشمل التغيير أيضاً النظام الذي يسمح للفساد بالاستمرار عبر شبكاته العميقة ذات الإنتماءات الإيديلوجية اليمنية في كل مرفق ومؤسسة ووزارة. الجنوب بحاجة إلى قيادته القادرة على تحمل المسؤولية، وعلى اتخاذ قرارات تنقذ البلاد من هذا النفق المظلم الذي لا ينتهي. فساد حكومة المناصفة هو جريمة بحق شعب بالكامل. ومع استمرار هذا الوضع، يصبح من المستحيل الحديث عن أي استقرار في المستقبل. ولذلك، فإن الوقت قد حان لتغيير هذا الواقع، وألا يبقى الجنوبيون رهائن لهذا الفشل المروع الذي يهدد مستقبلهم.

فيديو