الجنوب تاريخ، وهوية وشعب عبر العصور

السياسة - منذ 21 ساعة

عين الجنوب | تقرير - خاص

الجنوب لم يكن يوماً ارض تنتظر من يبعث فيها الحياة، بل كان دولة ذات سيادة، تملك مؤسسات، وحدوداً، وعلاقات دبلوماسية، وتنمية متوازنة قياساً بظروف المنطقة. غير أن الوحدة اليمنية التي فُرضت في 94 لم تكن سوى ستار كثيف لعملية استحواذ تدريجي، لا هدف لها سوى تدمير الكيان الجنوبي وتذويبه في منظومة شمالية متهالكة كانت تعاني آنذاك من الإفلاس السياسي والاقتصادي والتنظيمي والعسكري.

منذ اللحظة الأولى للوحدة، بدأت مظاهر الهيمنة تظهر، إذ تم تفكيك مؤسسات الجنوب، وتهميش كوادره، ونقل مراكز القرار والسيطرة إلى صنعاء. لم يكن الجنوب طرفاً شريكاً بقدر ما كان مساحة مفتوحة أمام جحافل النظام الشمالي، تمد نفوذها عبر صفقات فساد، وقوانين جائرة، وإحلال ممنهج لثقافة وسلطة جديدة تقوم على الهيمنة والغنيمة.

حرب 1994 كانت الحدث الفاصل، حيث اجتاحت الجنوب عسكرياً، وفرضت عليه واقع الاحتلال تحت راية بغيضة. كان ذلك الاجتياح بداية التدمير الحقيقي، حيث تحولت محافظات الجنوب إلى مصدر تمويل لا تنمية، ومسرح لتصفية الحسابات، ونهب الموارد، وتفريغ الأرض من كفاءاتها.

حضرموت أيضاً، بأهميتها الجغرافية، ربما كانت النموذج الأوضح. فخلال العقود التي تلت الوحدة، لم يبن فيها مشروع استراتيجي واحد يعكس حجم ما تزخر به، ظلت الموارد تُنقل إلى صنعاء ومارب، فيما عاشت المحافظة تهميشاً مركباً، وتعتيماً إعلامياً، وإهمالاً في البنى التحتية، وكأنما المطلوب أن تبقى حضرموت ساكنة، صامتة، وخاضعة.

الهيمنة على الاقتصاد، امتدت لتشمل الهوية أيضاً. حيث أُقصيت الرموز الجنوبية من المناصب العليا، وتم التلاعب بالتركيبة الإدارية والديمغرافية، بما يخدم بقاء الجنوب في دائرة السيطرة. أما الجوانب الأمنية، فكانت فوضى متعمدة، حيث سُمح للجماعات المسلحة، والأرهابية، بالتغلغل في مناطقها، وما حدث في ساحل حضرموت في ٢٠١٥ مثال على تغلغل تلك الجهات، وبالرغم من نجاح النخبة في ٢٠١٦ الا أن المحاولات المستمرة لتجريد قوات النخبة الحضرمية من وسائل الحسم عبر ضغط يمني وخارجي، هو تكتيك لإبقاء حضرموت رهينة القرار القادم من الشمال.

الجنوب كله، بما فيها حضرموت، دفع ثمن هذا الاحتلال اليمني وتجرع مرارة القمع والدمار والغزوات، والنهب، والارهاب. لكن الشعور الجنوبي بالانتماء الوطني لم يمت. بل تعمق. إذ صار واضحاً لدى المواطن الجنوبي أن ما جرى لم إلا غزواً منظماً. والمفارقة أن هذا الغزو لا لأجل شيء، عدا السيطرة السياسية، ونهب الموارد، وفرض ثقافة المحتل.

اليوم، وبعد كل هذه السنوات من الجراح المتراكمة، يقف الجنوب أمام لحظة وعي مختلفة. لحظة تعاد فيها قراءة التاريخ من زاوية الحق التاريخي والحقوقي، ويُنظر فيها إلى ما جرى للجنوب كمشروع ممنهج لتذويب كيان وذاكرة وهوية وشعب. الجنوب ليس فرعاً، بل أصل مستقل له السيادة والحرية. وإذا كان التاريخ قد كتب سابقاً بأقلام المحتل، فإن الواقع الجديد يفرض استعادة القلم، وكتابة التاريخ على حقيقته، عندها فقط تعود المياة الى مجاريها.

فيديو