الجنوب بين رهانات قوى الاحتلال ومعركة الوعي والسيادة، سردية الوجع والنهوض

الجنوب - منذ 1 شهر


عين الجنوب | تقرير - خاص

منذ أكثر من ثلاثة عقود، يعيش الجنوب واحدة من أسوأ المآسي في المنطقة، معاناة بدأت بشعار الوحدة أو الموت الذي استغله نظام صنعاء لغزو عسكري دموي في عام 1994، عندما اعلنت قوى اليمنية بقيادة صالح، و بتحالف مع جماعات الاسلام السياسي ممثلة بجماعة الإخوان غزو الجنوب، متخذه شكل من اشكال الاحتلال عبر عقلية سلطوية صورت دولة الجنوب كجغرافيا بلا شعب.

تحت هذا الشعارات التي لطالما تجيد صياغتها النخب اليمنية، أحتل الجنوب تحت منظومة الاحتلال. حيث طُرد أبناء الجنوب من مؤسساتهم، وسُرحت جيوشهم، وبيعت أراضيهم، وهُمّشت أصواتهم، وصودرت حقوقهم. وجرى تفكيك الدولة الجنوبية وخصصه مصانعها. ربما حاول الاحتلال إظهار وجه ناعم في البداية، لكنه سرعان ما كشف عن وجهه الخبيث ونواياه المبيته مسبقاً، حيث لم تُسجل العقود التالية خاصة بعد حرب 94 سوى محاولات ممنهجة لتحويل الجنوب إلى ارض ملحقة بالقوة، بلا قرار ولا هوية ولا حق.

كل جنوبي عايش الوضع بعد غزو اليمنية، لم يكن بحاجة إلى من يخبره بأنه تحت احتلال كامل الاركان، فالمعاناة كانت تعاش كل يوم، تهميش، اقصاء، تسريح، تطفيش، ضغط، تصفيات واغتيالات، لكن بعد الدور التاريخي للأشقاء في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة الشقيقتان وصمود اسطوري لشعب الجنوب تم تحرير الجنوب في 2015 من غزو قوات صالح وميليشيات الحوثي الارهابية، وخلال تلك المراحل وما تخللها من مكاسب وطنية هناك تحديات ظهرت ابرزها عودة منظومة الاحتلال مرة اخرى لتحارب شعب ابى الا الحرية والسيادة على ارضه، مثلتها حرب الخدمات وتدهور العملة، إلى غياب التنمية، إلى سياسات التجويع والتفقير. الجنوب لم يُترك ليبني ذاته، بل أُبقته هذه المنظومة المتخادمة في حالة ضعف خاصة في الجانب الاقتصادي، في محاولة لارباك موقف شعب الجنوب الثابت والراسخ نحو حقه المشروع والعادل والقانوني في استعادة دولته.

المفارقة أن هذه السياسات كانت ولازالت تُمارَس من قبل ذات القوى التي اتخذت من الدين أو التكتلات والتيارات الوطنية ستاراً لتحقيق اجنداتها للوصول الى الحكم. هذه القوى التي تحالفت مع نظام صالح، ثم غدرت به كالإخوان والمليشيا الحوثية الارهابيتين، تأمل بيأس ان تخضع شعب الجنوب لإجنداتها، ومطامعها، يتضمن ذلك بقايا نظام صالح المغدور به.

فـ على مدى ثلاثة عقود، ظل الجنوبيون يفتقرون إلى الحامل السياسي القادر على تمثيل قضيتهم بوضوح، وعلى مخاطبة العالم بلغة الحقوق والحقائق والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، حيث كان كل كيان جنوبي يُولد يُقابل بالقمع أو الإفساد أو التصفية، مما زاد من تشتت الصف الجنوبي وأطال عمر الاحتلال اليمني لكن الشعب الجنوبي، رغم الجراح، لم يتنازل عن هدفه، بل واصل نضاله السلمي والمسلح، واجتاز مراحل صعبة، إلى أن تشكّل المجلس الانتقالي الجنوبي كأول كيان منظم ومفوض شعبياً، يملك رؤية واضحة لدولة جنوبية فيدرالية تقوم على اسس حديثة.

اعلان عدن التاريخي مثل واحدية المصير والإرادة الجنوبية، حيث التفت الحشود حول القيادة الجنوبية ممثلة بالرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، وخرجت في مليونيات عظيمة تؤكد التفويض الشعبي وتعيد تاكيده وتبعث برسائل وطنية واضحة إلى الداخل والخارج.

في ظل هذا الواقع الجنوبي الذي يتقدم بثبات، تعمل نفس الوجوه الذي ثار الشعب الجنوبي وقاومها لتتخادم مع ميليشيا الحوثي الارهابية والنتيجة كما يحكي الواقع حرب خدمات تشتعل من جديد، ولكن بشكل أكثر قسوة وتنظيماً. نهج تتبعه منظومة الاحتلال اليمني في الإبقاء على هذا الوضع كسياسة، هدفها إفراغ الجنوب من صموده وإرهاقه على ارضه.

سياسة حرب الخدمات ومؤامرات صارت وسيلة لإعادة برمجة الوعي، عبر معادلة خبيثة مفادها أن الجائع لا يبحث عن وطن، لكن التجربة تُثبت أن الشعوب التي قاومت الاحتلال، لم تفعل ذلك لنزوه لحظية، بل لأنها آمنت أن الوطن والحرية والعدالة ثوابت لا مساومة عليها . وحالياً هناك إدراك متزايد للتحديات الجسيمة في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ شعب الجنوب والتي تستوجب التحرك الداخلي بإرادة واضحة، وخطة ناضجة، واصطفاف مسؤول وحشد دبلوماسي لتثبيت رؤية جنوبية خالصة تدير مصالح الجنوب على الأرض.

العاصمة عدن وحضرموت، التي يشهد قياديوها بأنها تعيش شللاً شبه كامل، ليست إلا نموذجاً لما يعيشه الجنوب برمته ومن المهم أن فهم الوضع في سياق سياسي أوسع يتطلب الثبات على المشروع الجنوبي برؤية اكثر صلابة، وموحدة، تراهن على المواطن الجنوبي وعلى الحق في انتزاع حقوقه، فالحقيقة تكشف ان الجنوب لن يُنتزع من قبضة التجويع والفوضى إلا بإرادة تتجاوز الألم، وبعزيمة تستنهض الحاضر دون أن تستهلك في اجترار الماضي، وبإيمان لا يتردد لا في الحقوق الأساسية ولا القضايا المصيرية أيضاً.

فيديو