حرب اكتوبر، ما دور خبراء الاتحاد السوفييتي في مصر

دراسات وتحليلات - منذ 18 يوم

عين الجنوب | تحليل - خاص.



تمثل مسألة وجود الخبراء السوفييت في مصر خلال حرب أكتوبر 1973 واحدة من أكثر القضايا التاريخية إثارة للجدل في التاريخ العسكري المصري الحديث. هذا الجدل يتجاوز مجرد السرد التاريخي ليلامس عمق الاستراتيجيات السياسية والعسكرية التي حكمت العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة، ويكشف عن تعقيدات صناعة القرار في أكثر اللحظات حرجاً في التاريخ المصري المعاصر.

تشير الوثائق التاريخية إلى أن العلاقات العسكرية بين مصر والاتحاد السوفيتي شهدت تقلبات في الفترة التي سبقت الحرب. فبعد حرب 1967، قدم السوفييت دعماً عسكرياً كبيراً لمصر شمل تزويدها بأحدث الأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي، بالإضافة إلى إرسال الآلاف من الخبراء والمرشدين العسكريين. تشير التقديرات إلى وجود ما بين 10,000 إلى 15,000 خبير سوفيتي في مصر بحلول عام 1972.

وقال سلامة في منشور له تحت عنوان: "أسرار الرمال: هل طردت مصر "كافة" الخبراء السوفييت قبل حرب أكتوبر؟"، مشيرا إلى أن الذاكرة المصرية تغوص في بحر من الروايات، بعضها حقائق ساطعة، وبعضها الآخر تزييف تتناقله الألسن جيلا بعد جيل.

وتابع: "لعل من أبرز هذه "الحقائق المغلوطة" تلك التي تتناول معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث يصر الكثيرون على وجود بنود سرية، رغم نشرها علنا أمام العالم أجمع".

وأشار إلى أن هناك حدثا جللا آخر، لا يقل خطورة ووجاهة، طاله الغموض والتعتيم، ألا وهو مسألة "طرد" الخبراء السوفييت قبل حرب أكتوبر 1973. يكاد يكون من المسلمات لدى المصريين أن مصر استغنت عن "كافة" الخبراء والضباط السوفييت عشية الحرب، في خطوة وصفت بالشجاعة والإقدام.

وأكد أن الحقيقة، كما تظهر من خبايا التاريخ، مغايرة تماما لما هو راسخ في الأذهان، إلا من رحم ربي. فالمؤكد أن مصر لم تتخل عن جميع خبرائها السوفييت. بل على العكس، حوصر العشرات من ضباط الدفاع الجوي السوفييت، الذين كانوا يرافقون زملاءهم المصريين في الجيش الثالث الميداني، خلال معارك أكتوبر المجيدة.

وأوضح أستاذ القانون الدولي: "لقد كان وجود هؤلاء الخبراء السوفييت المحاصرين سببًا رئيسيًا في احتدام الجدل والتشاحن بين المندوبين السوفيتي والأمريكي في الأمم المتحدة. هذا التوتر دفع مجلس الأمن على عجل لإصدار قراره الشهير بوقف إطلاق النار الدائم رقم 338 في أكتوبر 1973، في محاولة لإنقاذ الموقف المتأزم. إنها لأسف عميق، أن تُغمض وتُطمر أو تزيف حقائق تاريخية جوهرية بفعل فاعل غير أمين"

واختتم قائلا: هذه الحقائق، لو كشفت عن وجهها الحقيقي، لأعادت تشكيل فهمنا لأحداث مفصلية في تاريخنا المعاصر.فهل آن الأوان لرفع الستار عن هذه الأسرار، ولنرى تاريخنا كما هو، بكل ما فيه من تعقيدات وخفايا، بعيدًا عن أي تحريف أو تضليل؟" (RT).

الحقيقة التاريخية، كما تكشفها التقارير المتاحة الآن، تقع في منطقة وسط بين الروايتين. فمن الصحيح أن مصر اتخذت قراراً جريئاً بتقليص كبير للوجود السوفيتي، لكنه لم يكن شاملاً وكاملاً كما تروج بعض الروايات. وجود عدد من الخبراء السوفييت في بعض المواقع الحساسة خلال الحرب لا ينقص من الإنجاز العسكري المصري، بل يعكس تعقيدات التحالفات الاستراتيجية في ظل نظام دولي ثنائي القطبية.

هذه القراءة المتوازنة تتيح لنا فهم الحرب بكل أبعادها السياسية والعسكرية المعقدة، بعيداً عن التبسيط المفرط أو التزييف المتعمد. التاريخ الحقيقي، بكل تعقيداته وتناقضاته، هو الأكثر قدرة على تقديم الدروس المستفادة للأجيال الحالية والمقبلة. وبغض النظر عن هذا وذاك، مصر قديماً وحديثاً عُرفت بقوتها العسكرية، وصلابة رجالها، بل مثلت ولا تزال مركز ثقل عربي لا يستهان به في المعادلة الدولية.

فيديو