الجنوب، التزام اقليمي ورؤية استراتيجية لشراكات اوسع

تقارير - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص


في سياق التطورات الإقليمية والدولية المرتبطة بقضية شعب الجنوب، وذلك عقب زيارة وفد المجلس الانتقالي الجنوبي إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث تم عرض رؤية واضحة ومباشرة تهدف إلى إقامة شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، تقوم على المصالح المشتركة، والأمن المتبادل، والاستقرار الإقليمي.


على عكس الصورة النمطية التي غالباً ما تُقدم في الإعلام أو بعض المبادرات الدبلوماسية، لم يتوجه المجلس الانتقالي الجنوبي إلى واشنطن طلباً للمساعدات، بل قدم استراتيجية متكاملة تعكس واقعية سياسية واحترافية مؤسسية، تؤسس لشراكات ناضجة وعلاقات بعيدة عن منطق الاستعطاف. هذا النهج أوجد تجاوباً ملحوظاً من الكونغرس الأمريكي، حيث لوحظ تنامي إدراك برلماني من الحزبين لأهمية الجنوب كشريك مستقر وفعّال في المنطقة.

في الواقع الميداني، تبرز قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم استراتيجي من الحلفاء الاقليمين ابرزها الامارات العربية المتحدة كقوة منظمة وفعالة، والتي تتمتع بشرعية شعبية وبُنية تنظيمية أثبتت قدرتها في مواجهة تمدد ميلشيات الحوثيين، مكافحة الإرهاب، وحماية الممرات المائية الدولية. هذا الأداء العملي يجعل من الجنوب لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاوزه، خصوصاً في ظل حالة التفكك والانقسامات في قوى الشمال.

تتقاطع أهداف الجنوب مع أهداف الحلفاء الإقليميين والدوليين على عدة مستويات، فالشعب الجنوبي يرفض ميليشات الحوثيين والاخوان. هذا التقاطع يعكس التزام الجنوب تجاه البيئة الإقليمية، نابعاً من قيم الوفاء للتحالفات المصيرية لا من منطق التبعية، ويضع الجنوب في موضع الحليف الموثوق الذي يتقاسم الأولويات الامنية مع الإقليم والمجتمع الدولي الاوسع.

ورغم هذا التوافق الأمني والسياسي مع الحلفاء الإقليميين والدوليين، فإن مسألة التسوية السياسية التي يروج لها المبعوث وبعض الأطراف الدولية تحت إطار "الحل الشامل في اليمن" تثير تحفظات جوهرية لدى شعب الجنوب. فالتجربة الجنوبية أثبتت أن الشعب في الجنوب لم يتوقف عن الدفاع عن هويته منذ حرب 1994، ولم يكن الجنوب طرفاً في الحرب بقدر ما كان في موقع الدفاع عن أرضه، كما أن فكرة إعادة تأهيل الشمال وتوحيد البلاد في كيان واحد لم تعد مقبولة لدى شريحة واسعة من شعب الجنوب.

بالتالي، فإن أي تسوية لا تراعي خصوصية الجنوب، ولا تضمن حقه في استعادة دولته أو على الأقل حكمه الذاتي الكامل، تُعد تسوية غير عادلة وغير واقعية. ومع أن الخطاب الرسمي الجنوبي لا يعلن الرفض الصريح للمبادرات الأممية، إلا أن الواقع السياسي يؤكد بأن شعب الجنوب ليس معنياًً بـ إعادة إنتاج وحدة فقدت معناها ومشروعيتها.

تُطرح هنا أسئلة جوهرية حول إمكانية حصول الجنوب على دعم دولي حقيقي، متكامل مع الأهداف الإقليمية، وقادر على تعزيز مساره نحو الاستقلال أو على الأقل الحكم الذاتي. فهل يمكن أن تتحول واشنطن من موقع المراقب إلى موقع الداعم الفعلي لمشروع سياسي جنوبي يخدم الأمن الإقليمي والدولي؟ وهل ستستثمر الولايات المتحدة وزنها الدبلوماسي لتمكين حليف يقف سداً منيعاً ضد ميليشات الحوثي والإخوان، ويساهم في استقرار باب المندب، ويضمن حماية خطوط الملاحة البحرية؟

إن الجنوب العربي يمتلك اليوم عناصر الثقة التي تُبنى عليها الشراكات الاستراتيجية: قوة على الأرض، حاضنة شعبية، خطاب عقلاني، التزام إقليمي، وعداء واضح لجماعات الإسلام السياسي. غير أن تحويل هذا الواقع إلى مشروع سياسي مدعوم دولياً يتطلب إرادة أمريكية صريحة، واستجابة دبلوماسية تتجاوز الخطاب التقليدي حول وحدة اليمن، الذي أصبح شعاراً فارغاً لا يعكس حقيقة الوضع القائم.

إن أقوى ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لشعب الجنوب هو الاعتراف بحقه في الشراكة المتكافئة، والدفع نحو تسوية لا تُفرَض عليه، بل تُبنى معه. وفي ظل التوتر الإقليمي المتصاعد، لا سيما بين إيران وإسرائيل، تبرز أهمية الجنوب كشريك موثوق يقف في صف الاستقرار ويُحصن الممرات المائية من العبث الخارجي.

لذلك فإن ما جرى في واشنطن لم يكن مجرد فعالية سياسية، بل لحظة مفصلية في مسار القضية الجنوبية، وتدشيناً لمرحلة جديدة من الانخراط السياسي والدبلوماسي مع المجتمع الدولي.

إن شعب الجنوب لا يسعى إلى العزلة أو التفرد، بل يتطلع إلى شراكات تقوم على المصالح والأهداف المشتركة، وعلى الاحترام المتبادل والتفاهم العميق لطبيعة قضيته، وهو قد عبر عن التزامه الكامل في بناء أمن واستقرار المنطقة.

لكن على العالم أن يتعامل معه كما هو: شعبٌ له قضيته، وله حقه في التمثيل، وله رؤيته التي تستحق الإنصات والدعم، لا مجرد الاحتواء أو التأجيل.

فيديو