35 عاماً من الصداقة: الشراكة الاستراتيجية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية

السياسة - منذ 1 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص

في ظل عالم يشهد تحولات جيوسياسية متسارعة وتحديات اقتصادية وبيئية غير مسبوقة، تبرز العلاقات الصينية-السعودية كنموذج فريد للتعاون الجنوب عالمي، حيث تحتفل اليوم الدولتان بالذكرى الـ35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. هذه الشراكة، التي بدأت بتواضع في عام 1990 بحجم تجارة لا يتجاوز 500 مليون دولار، تحولت إلى عملاق اقتصادي يتجاوز 107 مليارات دولار في 2024، لتصبح السعودية الشريك التجاري الأكبر للصين في غرب آسيا وإفريقيا، بينما تحتل الصين بتزايد المرتبة الأولى كشريك تجاري للمملكة على مستوى العالم.

لم تكن هذه القفزة الاقتصادية وليدة الصدفة، بل نتاج رؤية استراتيجية متبادلة تجسدت في المواءمة بين "رؤية 2030" السعودية ومبادرة الحزام والطريق الصينية، طريق الحرير. ففي قطاع الطاقة، لا تزال شركة "ياسرف" (أرامكو سينوبك) في ينبع شاهداً حياً على هذا التعمق، حيث تمثل أكبر استثمار صيني في المملكة عند إنشائها عام 2016، وهي اليوم على أعتاب مرحلة توسعية جديدة بعد عقد من النجاح . وفي مجال الطاقة المتجددة، جاءت محطة الشعيبة للطاقة الشمسية -الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط- لترسم ملامح مستقبل أخضر، حيث توفر طاقة نظيفة تدعم تحول المملكة نحو الاستدامة .  

أما في مجال البنية التحتية، فقد أصبح قطار المشاعر المقدسة، الذي بنته الشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية (CRCC)، أيقونة للكفاءة والأمان، حيث نقل أكثر من 25 مليون حاج دون حوادث على مدى عقد كامل، مما أكسبه إعجاب المسلمين حول العالم . وفي الوقت نفسه، يتحول استاد جدة الذي تبنيه نفس الشركة إلى تحفة معمارية ستكون أحد أركان كأس العالم 2034، مما يعكس عمق الشراكة في المجالات الحيوية .  
  
لكن العلاقات لم تقتصر على الاقتصاد والبنية التحتية. ففي عام 2025، أطلقت الدولتان "العام الثقافي الصيني السعودي"، كتتويج لمسيرة من التبادل الثقافي الذي شهد إدخال اللغة الصينية إلى قطاع التعليم السعودي، وإقامة أول مسابقة "جسر اللغة الصينية" لطلاب المدارس، مما يعكس شغف الشباب السعودي بثقافة الشرق الأوسط . كما شهدت السينما السعودية اختراقاً غير مسبوق في الصين، حيث عرضت أربعة أفلام سعودية في دور العرض الصينية لأول مرة في تاريخ البلدين .  

في الجانب السياسي، ظلت الصين والسعودية حليفين استراتيجيين في القضايا الدولية، حيث أشاد المسؤولون السعوديون بدور الصين "المبدئي والعادل" في القضية الفلسطينية، بينما أكد الجانب الصيني تقديره لجهود المملكة في الوساطة لحل الأزمات الإقليمية . هذا التوافق السياسي تجلى في التنسيق الوثيق بين البلدين في المحافل الدولية، حيث تدعو الصين والسعودية معاً إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

رغم هذا النجاح، تواجه الشراكة تحديات ليس أقلها التقلبات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية العالمية. لكن الفرص أكبر، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية، والتحول الرقمي، حيث تتعاون شركات التكنولوجيا الصينية مع نظرائها السعوديين لدفع عجلة الابتكار . كما أن مشاريع مثل نيوم والبحر الأحمر تقدم فرصاً غير مسبوقة للشركات الصينية للمساهمة في رؤية المملكة الطموحة .  

كما يقول وانغ تشيمين مستشهداً بالمثل العربي "اللي يشتري الصداقة، ما يبيعها"، فقد أثبتت الشراكة الصينية-السعودية على مدى 35 عاماً أنها علاقة متجذرة في الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. فمن مصافي النفط إلى محطات الطاقة الشمسية، ومن تعليم اللغة إلى التبادل السينمائي والابتكار والتكنلوجيا ومشاريع الينية التحتية، بنى البلدان نموذجاً للتعاون الشامل الذي يجمع بين المصلحة والصداقة. وفي عالم يتوق للاستقرار، تقدم هذه الشراكة درساً في كيف يمكن للدول أن تبني معاً مستقبلاً أكثر ازدهاراً لشعوبها.  

هذه ليست نهاية القصة، بل مجرد فصل جديد في سردية ستستمر لسنوات قادمة، حيث تعمل القنصلية الصينية في جدة مع شركائها السعوديين على تعميق هذه العلاقة، التي أصبحت تتحدث عنها مشاريع شاهدة وحية تبين مستوى متقدم من التعاون بين البلدين الصديقين.

فيديو