عملة الحوثيين الجديدة: آخر مسمار في نعش الوحدة اليمنية

اقتصاد - منذ 4 أيام

عين الجنوب- الصوت الجنوبي 

في خطوةٍ مثيرة للجدل وتوصَف بأنها تصعيد جديد في مسار الانفصال السياسي والاقتصادي، أعلنت مليشيات الحوثيين الإرهاب في صنعاء عن إصدار عملة نقدية ورقية من فئة 100 ريال، في تحدٍ صريح لقرارات البنك المركزي اليمني المعترف به دوليًا، وللإجماع الوطني بشأن وحدة النظام المالي والنقدي.

وتأتي هذه الخطوة لتضع مزيدًا من الضغوط على ما تبقى من مظاهر "الوحدة الشكلية" بين دولة الجنوب العربي والجمهورية العربية اليمنية المتهالكة.

وتكشف هذه الخطوة الحوثية، التي وُصفت بـ"المنفلتة" ماليًا وسياسيًا، عن تعمّد الجماعة ترسيخ سياسة الأمر الواقع والانفصال التام اقتصاديًا عن بقية البلاد، في حين تبدو الحكومة الشرعية عاجزة تمامًا عن التعامل مع هذا التحدي أو حتى إصدار موقف حازم وواضح تجاهه.


اقتصاد مستقل بالقوة

سبق لمليشيات الحوثيين أن رفضت الاعتراف بالعملات الجديدة التي طُبعت في عدن بعد نقل البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة في عام 2016، ما تسبب بأزمة نقدية كبيرة وخلق سوقين ماليين متوازيين في البلاد. 

ومع إصدارها هذه المرة عملة جديدة، تكون الجماعة قد دقت آخر مسمار في نعش الكيان الاقتصادي للبلاد.

ويحذر مراقبون من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من الاتصال المالي والإداري بين الشمال والجنوب، وسيرسخ فعليًا مشروع التقسيم، في ظل صمت دولي مريب، وارتباك حكومي فاضح.

وفي هذا السياق، قال الكاتب السياسي الجنوبي نصر باعلي: "ما فعلته المليشيات ليس مجرد إصدار ورقة نقدية، بل إعلان سياسي واضح بأن صنعاء أصبحت تمضي في مشروعها الخاص بمعزل عن أي اعتبار وطني أو دستوري".

وأضاف "للصوت الجنوبي": "الإصدار النقدي الحوثي يفضح هشاشة الدولة اليمنية الموحدة، ويؤكد أن الجنوب لم يعد معنياً بمنظومة مالية تديرها ميليشيا طائفية بعقلية العصابة".


الشرعية عاجزة

ورغم خطورة ما قامت به جماعة الحوثيين، لم تُصدر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا سوى بيانات باهتة لا ترقى إلى مستوى الحدث. في حين لم تظهر أي مؤشرات على نيتها لاتخاذ إجراءات مالية أو قانونية جادة لاحتواء هذا التطور أو مواجهته.

وأشار الصحفي الجنوبي هارون بن جابر إلى أن "الموقف الهزيل للحكومة تجاه إصدار الحوثيين عملة جديدة يؤكد أننا أمام شرعية غير قادرة حتى على حماية ما تبقى من رموز السيادة الوطنية، بما في ذلك العملة".

وقال بن جابر "للصوت الجنوبي": "في حين يضخ الحوثيون عملتهم الجديدة بكل وقاحة، تكتفي الحكومة الشرعية بتصريحات إنشائية، وكأن الأمر لا يعنيها. هذه اللامبالاة هي ما يُفقد الشارع الجنوبي الثقة في مشروع الوحدة اليمنية برمته ويرسخ قناعة تامة بأن الحل والسلام يكمن في استعادة دولة الحنوب".


موقف جنوبي واضح من البداية

منذ تأسيسه في العام 2017، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي رفضه لما وصفه بـ"الاحتلال المالي والعسكري الشمالي" للجنوب، ورأى في استمرار التعامل مع المؤسسات الاقتصادية المركزية أحد أبرز أوجه التبعية غير المقبولة. وطالب مرارًا بإدارة الجنوب موارده ومؤسساته بما يتناسب مع تطلعات شعبه.

وفي ظل التطورات الأخيرة، يبدو موقف المجلس الانتقالي أكثر اتساقًا مع الواقع، خصوصًا مع تمادي الحوثيين في تفكيك الدولة من طرف واحد، وتقاعس الحكومة اليمنية في الحفاظ على مظاهر السيادة والشرعية.

ويرى مراقبون أن المجلس الانتقالي هو الطرف الوحيد الذي تعامل مع الوضع بمسؤولية، وطرح مقاربات واقعية للحل، بما في ذلك تبني مشروع الاستقلال الجنوبي، كحل نهائي يُنهي عقودًا من الحروب والانقسامات.

بشكل عام، يرى الصحفي بن جابر أن إصدار العملة الجديدة ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الإجراءات الانفصالية التي ينتهجها الحوثيون منذ سنوات، تشمل تأسيس بنوك وشركات تحويلات خاصة، وجباية الضرائب والجمارك خارج سيطرة الحكومة، وإنشاء نظام مالي موازي.

وفي المقابل، يعيش الجنوب حالة من الغضب المتصاعد تجاه استمرار الفوضى الاقتصادية وتدهور العملة، ويرى كثيرون أن الوقت قد حان لاتخاذ موقف حاسم تجاه ما يُسمى بـ"الدولة اليمنية"، التي لم يعد لها وجود فعلي في مؤسسات الجنوب، عدا في بعض الترتيبات الشكلية.

ومع تنامي السخط الشعبي في الجنوب، تزداد الدعوات إلى اعتماد سياسة اقتصادية مستقلة تضمن استقرار العملة وتمنع الانهيار المعيشي. وفي هذا السياق، دعا ناشطون جنوبيون إلى ضرورة إيقاف التعامل بالعملة الحوثية في الجنوب لما في ذلك من خطر اقتصادي مباشر على السوق الجنوبية واستقرار الأسعار.

ويقول نصر باعلي: "استمرار التعامل مع النظام المالي في صنعاء هو بمثابة انتحار اقتصادي، ولا بد من إجراءات سريعة لإعلان استقلال نقدي فعلي في الجنوب، أسوة بما فعله الشمال".

وفي ظل هذه التطورات المتلاحقة، لا يبدو أن مشروع الوحدة اليمنية ما زال قائمًا سوى في الخطابات الرسمية أو البيانات الدبلوماسية. أما على الأرض، فقد أصبحت كل منطقة تدير شؤونها الاقتصادية والإدارية والأمنية بمعزل عن الأخرى، في مشهد لا يختلف كثيرًا عن دولتين منفصلتين.

ويؤكد والكاتب السياسي نصر باعلي والصحفي هارون بن جابر في ختام حديثهما "للصوت الجنوبي" على أن "ما يحصل اليوم هو إعلان وفاة صامتة للوحدة اليمنية، وما عملة الحوثيين الجديدة إلا آخر مسمار في نعش هذه التجربة الفاشلة. الجنوب لن ينتظر طويلاً، والمجلس الانتقالي أصبح أمام مسؤولية تاريخية لترجمة تطلعات شعبه إلى واقع ملموس".

وبينما ينشغل المجتمع الدولي في ترتيبات تهدئة الصراع، تبدو البلاد ماضية بثبات نحو التشظي الكامل، حيث لا صوت يعلو فوق صوت المشاريع الانفصالية، في ظل غياب الدولة وانهيار مفهوم المركز منذ زمن طويل.

منقول من موقع الصوت الجنوبي

فيديو