الرئيس الزُبيدي : الفكر الثاقب لحلمِنا المنشود .

أخبار دولية - منذ يومان

عين الجنوب| خاص

في خضمّ التعقيدات السياسية التي تعصف بالمنطقة، ووسط المشهد المتصدّع، بزغ نجم قائدٍ استثنائي، صلب الإرادة، نافذ البصيرة، هادئ في لحظات العواصف، ومبادرٌ حين تتردد الخطى. إنه الرئيس عيدروس قاسم الزُبيدي، رجل الدولة وصانع التوازنات، وأحد أبرز القادة الذين شكّلوا تحوّلاً حقيقياً في معادلة الصراع والتحالفات، ليس فقط بكونه زعيماً سياسياً، بل بصفته مفكراً استراتيجياً حمل على عاتقه مشروعاً وطنياً عميقاً ، تجاوز فيه ردود الفعل اللحظية نحو تأسيس رؤية متكاملة لمستقبل الجنوب، بل وعرّاب المشروع الوطني الجنوبي، الذي أثبت للعالم أجمع أن الفكر الثاقب لا يحتاج إلى منابر زائفة بقدر ما يحتاج إلى رجال أوفياء، وقرار حاسم، وعين ترى ما وراء الضباب.

منذ انخراطه في العمل الوطني، لم يكن الرئيس الزبيدي أسير اللحظة أو رهين الانفعال الشعبي، بل تميّز بعينٍ سياسية نافذة ترى ما لا يراه الآخرون، وعقلٍ منظمٍ يُدرك أنّ الثورات لا تكتمل إلا حين تتحوّل من صراخٍ في الشارع إلى تخطيط في الميدان، ومن بندقية مقاومة إلى مؤسسات دولة.
لذلك لم تكن خطواته عشوائية، بل مدروسة، مبنية على قراءة دقيقة لموازين القوى المحلية والإقليمية والدولية.

لقد أدرك الزبيدي باكراً أن الجنوب ليس معزولاً عن التغيّرات في الإقليم، وأن معركة الاستقلال لا يمكن أن تُخاض بالاعتماد على الحماسة وحدها، بل تحتاج إلى عمق في الرؤية، ومرونة في التكتيك، وثبات في المبادئ ، فنسج تحالفات استراتيجية دون أن يفرّط بالثوابت الوطنية، وشارك في المعارك المصيرية دون أن يُذيب هوية الجنوب في أروقة التسويات العابرة.

إن الفكر الثاقب الذي تحلّى به الرئيس الزبيدي تجلّى في أكثر من محطة،  منذ قيادته للمقاومة الجنوبية في الضالع، إلى إدارة الملف الأمني في العاصمة عدن، ومن بناء المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي وطني جامع، إلى الحضور الفاعل في مفاوضات الرياض والحوارات الدولية، فكان دائماً في مقدمة الصف، يحمل صلابة الموقف ومرونة الدبلوماسية معاً ، بل إن الفكر الثاقب للرئيس الزبيدي يتجلى في قراءته العميقة لمعادلات الداخل والخارج. فقد أيقن تماماً أن معركة الجنوب ليست فقط بندقية في الميدان، بل هي معركة وعي وبناء تحالفات ذكية، ومخاطبة للعالم بلغة السياسة والمنطق لا بلغة الشعارات الآنية، فمدّ يده للتحالف العربي دون أن يفرّط في ثوابت القضية الجنوبية، وخاض معركته مع قوى النفوذ في صنعاء وهو ممسك بزمام المبادرة تمام الإمساك .

لعلّ أحد أبرز تجليات فكره العميق يتمثل في رؤيته لمستقبل الجنوب؛ فهو لا ينظر إلى الاستقلال على أنه مجرد شعار سياسي، بل على أنه مشروع لبناء دولة مدنية، اتحادية، قائمة على العدالة والشفافية والتعددية، تضمن التمثيل الحقيقي لكل المكوّنات، وتكسر مركزية القرار التي كانت سبباً رئيسياً في انهيار الدولة الجنوبية في صيغتها السابقة.

فالرئيس الزبيدي لم يكن مجرد جنرالاً على رأس جيش، بل مفكراً استراتيجياً بامتياز. 
إن رؤيته لمستقبل الجنوب الاتحادي الفيدرالي ليست شعارات، بل مشروعٌ متكامل لبناء دولة عادلة، تنطلق من التنوع وتؤسس على الحقوق.
 دولة لا تكرر أخطاء المركزية، ولا تسمح بعودة الاستبداد.

فلقد أدار الزبيدي معركته السياسية كما يدير القائد الماهر معركة عسكرية دقيقة؛ كل خطوة محسوبة، وكل موقف موزون، دون انفعال ولا ارتجال. لم ينجرّ إلى الفوضى الإعلامية، ولا إلى المهاترات التي أراد الخصوم جرّه إليها، بل ظل ثابتاً كجبل شمسان، يتحرك بثقة الواثق، ويصمت حين يكون الصمت أبلغ، ويتكلم حين يصبح الكلام سلاحاً حاسماً ، ولأن القادة يُعرفون في لحظات الأزمات، فقد أظهر الزبيدي قدرة استثنائية على الثبات في وجه الحملات الإعلامية الممنهجة، ومحاولات التشويه والابتزاز السياسي ، فلم ينزلق إلى المهاترات، ولم ينشغل بتسجيل النقاط الصغيرة، بل بقي منشغلاً بالملفات الكبرى: الأمن، التنمية، الاعتراف الدولي، وترسيخ الهوية الجنوبية.
كما أن حضوره في المحافل الدولية لم يكن حضوراً رمزياً ، بل كان فاعلاً ومؤثراً ، يُخاطب العواصم الكبرى بلغة المصالح المشروعة والحق التاريخي، ويطرح قضية الجنوب كملف مفتوح منذ 1994، لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، مهما حاولت بعض الأطراف الالتفاف عليه.

فمع كل هذه السمات القيادية، ظل الزبيدي متواضعاً قريباً من الناس، يستمع لصوت الشارع، ويحترم رفاق النضال، ويُعلي من شأن المؤسسات لا الأشخاص، لم يُغره المنصب، ولم تفتنه الأضواء، بل ظل وفياً للتراب الذي خرج منه، وللقضية التي نذر عمره لها.

إن الرئيس عيدروس الزُبيدي يُعد نموذجاً نادراً لقائد يجمع بين التجربة النضالية والرؤية الفكرية، بين الحضور الشعبي والاتزان السياسي، بين الحزم في الداخل والانفتاح في الخارج. هو قائد يكتب للتاريخ صفحة جديدة من الكرامة الجنوبية، ويقود سفينة الوطن بثقة وثبات وسط بحر متلاطم بالأطماع والتحديات.

ففي زمنٍ تكاثرت فيه الأقنعة، وتعددت فيه الألسنة، يبقى الفكر الثاقب هو السلاح الأصدق، وتبقى القيادة الواعية هي الأمل الأكبر لشعبٍ قرّر أن ينتصر مهما طال الطريق.
لذلك فإننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى فكر الزبيدي الثاقب، وإلى حكمته المتزنة، وإلى ثباته الذي أثبت أنه رجل المرحلة بكل تفاصيلها وتعقيداتها. فالرئيس الزبيدي ليس فقط رئيس مجلس انتقالي، بل رمزاً  وطنياً ، وبوصلة الجنوب نحو الخلاص والاستقلال.

فيديو