في لقاء حواري: من تصدع رأس النظام في طهران إلى فشل الأذرع في بيروت

السياسة - منذ 5 ساعات

عين الجنوب| خاص

ضمن لقاء حواري على شبکة الانترنت في يوم الاحد ال24 من أغسطس/آب2025، وبحضور مميز لعشرات الشخصيات الاعلامية والسياسية، جرى عقد لقاء حواري تحت عنوان(من تصدع رأس النظام في طهران إلى فشل الأذرع في بيروت) وکان المتحدث الرئيسي موسى أفشار، عضو لجنة الشٶون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية فيما أدار  الحوار مهدي عقبائي، عضو المجلس الوطني للمقاومة الايرانية. وقد ساهم المشارکون في اللقاء بمداخلاتهم وأسئلتهم التي أثرت موضوع ومحور اللقاء.
وفي مستهل اللقاء أشار مدير الندوة الى إنه سيتم السعي من خلال عنوان اللقاء(من تصدع رأس النظام في طهران إلى فشل الأذرع في بيروت) الى إلى ربط التصدعات الداخلية المتزايدة في قمة هرم النظام الإيراني، بالفشل المتنامي الذي تواجهه أذرعه الإقليمية، وسنتخذ من الساحة اللبنانية نموذجا واضحا لهذه المعادلة. ثم تم عرض فيلم وثائقي عن الاوضاع في إيران وما يقوم به النظام الايراني في داخل إيران وعلى صعيد المنطقة لکي يعطي المشارکين في اللقاء تصورا عن موضوع اللقاء.
السياق المرئي وتحليل المشهد
وفي مستهل حديثه، لفت مدير اللقاء، مهدي عقبائي، الانظار الى فيلم وثائقي تم عرضه في البداية، وقال بأن هذا المقطع يوثق المعادلة التي نناقشها اليوم: فمن جهة، يكشف كيف أن النظام المحاصر بالأزمات الدولية والداخلية، ومع اقتراب تفعيل آلية الزناد، يلجأ إلى أدواته الأخيرة للبقاء، وهي القمع الوحشي وزيادة وتيرة الإعدامات، بل وحتى تدمير قبور شهداء مجزرة 1988، في اعتراف صريح بخوفه من الانتفاضة الشعبية وذاكرة المقاومة. ومن جهة أخرى، يظهر المقطع كيف أن الشارع الإيراني لم يعد يخشى آلة القمع هذه، حيث تتسع رقعة الاحتجاجات التي بدأت مطلبية لتتحول بسرعة إلى سياسية، وتستهدف رأس النظام بشعارات مثل 'الموت لخامنئي'، بالتوازي مع نشاطات وحدات المقاومة التي ترد على جرائم النظام في عمق مدن البلاد، وأضاف بأن هذا الفيلم سيوفر لنا أرضية واقعية ومرئية مشتركة، تمهيدا للتحليل الذي سيقدمه زميلنا.
إيران على أعتاب سبتمبر: نظام مأزوم وشعب لا يخاف
وقام مدير الندوة بالتعليق على الفيلم مشيرا بأنه و مع نهاية شهر أغسطس، يدخل العالم شهر سبتمبر. الشهر الذي يذكر النظام الإيراني بتفعيل آلية الزناد وتزايد الضغوط الدولية. في الوقت نفسه، لا يزال ملف النظام، الغارق في أزماته الداخلية والدولية والذي فقد أذرعه الإقليمية، لا يعرف سوى وسيلة واحدة للبقاء: بث الرعب. في مثل هذه الظروف، سرق الخوف من انتفاضة شعبية النوم من أعين قادته. ولهذا السبب، بدأت آلة الإعدام والقتل تعمل بسرعة غير مسبوقة. وفقا لإحصاءات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، تم إعدام أكثر من ألف شخص في العام الماضي وحده، مما يظهر زيادة كبيرة.
وأضاف بأنه و في الأسبوع الماضي وحده، وبهدف ترهيب الناس، قاموا بشنق سجينين على الملأ. وسائل الإعلام الحكومية، بعد أن جمعت الناس، قامت بتصوير هذه الجريمة ونشر الصور لنقل رسالة الخوف إلى المجتمع.
وقال أن هذا الرعب لا يقتصر على الأحياء. النظام يخشى حتى من قبور شهداء ثمانينات القرن الماضي، وخاصة مجزرة عام 1988. ولهذا أعلن مساعد عمدة طهران والمدير العام لمقبرة "بهشت زهرا" رسميا عن خطة لتدمير قبور هؤلاء الشهداء؛ وهو اعتراف واضح بالخوف العميق للنظام من اسم وذكرى مجاهدي خلق. 
وأکد أن هذا القمع لم يمر دون رد. ردت وحدات المقاومة في مدن مختلفة على هذه الإعدامات، التي استهدفت أيضا أعضاء مجاهدي خلق، بأنشطتها. کما إنه و في الوقت نفسه، نزل الناس الذين سئموا من الضغوط الاقتصادية الهائلة والتضخم غير المسبوق والانقطاع المستمر للمياه والكهرباء إلى الشوارع. هذه الاحتجاجات، التي قد تبدو نقابية في البداية، سرعان ما أصبحت سياسية واستهدفت قلب النظام.
ولفت الانظار الى ترديد شعارات "الموت لخامنئي"، "الموت للديكتاتور"، و"لا لغزة، لا للبنان، روحي فداء لإيران" في جميع أنحاء البلاد. المظاهرات الكبرى في مدن مثل شيراز وكازرون هي مثال بارز على هذا الغضب الشعبي. منوها من إن النظام، المحاصر بالضغوط الدولية وغضب الشعب، يلجأ إلى آخر أسلحته: الإعدام والتدمير. لكن الشوارع تظهر أن المجتمع الإيراني لم يعد خائفا. كل شرارة قمع تشعل لهيب انتفاضة أكبر. سبتمبر هو شهر الخيارات الصعبة للنظام، وشهر التضامن للشعب الإيراني.
تحليل يربط بين خيوط المشهد الداخلي مع تداعياته الاقليمية
وبدأ المتحدث الرئيسي في اللقاء حديثه قائلا بأنه و لفهم سلوك النظام الإيراني اليوم، يجب أن ننطلق من قاعدة أساسية وثابتة تحكم قرارات خامنئي: 'التراجع يعني السقوط'. خامنئي يعلم جيداً أن أي تنازل استراتيجي، أي تراجع عن مواقعه، لن يقرأ كبادرة حسن نية، بل كعلامة ضعف قاتلة ستشجع خصومه في الداخل والخارج، وستكون بداية النهاية لهيمنته المطلقة على الحكم. هو لا يمزح في هذا الأمر.
وأضاف بأن لبنان اليوم هو المختبر الأوضح لإثبات هذه الحقيقة. عندما شعر خامنئي أن نفوذه في لبنان يهتز، وأن هناك مواقف سيادية لبنانية تتصاعد ضد سلاح حزب الله، ماذا فعل؟ تحرك بسرعة تبعث على الدهشة. فجأة، وبدون مقدمات، استدعى علي لاريجاني، الرجل الذي أقصاه هو بنفسه مرارا من سباق الرئاسة، وعينه بين ليلة وضحاها أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي، ثم أرسله فورا إلى العراق ولبنان. لماذا هذه العجالة؟ لأن الرسالة كانت موجهة للداخل والخارج: أنا ما زلت أتحكم بالملفات الاستراتيجية، ولن أسمح بتآكل نفوذي الإقليمي. وهناك، في بيروت، كانت رسالة لاريجاني حادة وواضحة، حيث طلب من حزب الله الوقوف بوجه خطة الحكومة اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة، والتهديد بجر لبنان إلى الفوضى وانعدام الأمن، وهو ما قام به نعيم قاسم.
ومن ثم، سمعنا جميعا التهديدات التي أطلقها نائب أمين عام الحزب، الشيخ نعيم قاسم، الذي قال بكلام واضح إنهم سيقلبون الطاولة على الجميع إذا استمر الضغط لنزع سلاحهم.
وأضاف، لكن ما حدث بعد ذلك هو الأهم، وهو ما يثبت تحليلنا. لأول مرة، رأينا رد فعل لبنانيا موحدا وقويا بشكل غير مسبوق. من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، حتی رئیس البرلمان و کذلک وزير الخارجية، إلى اجتماع  عدد من النواب في منزل الوزير السابق أشرف ريفي وإعلانهم نيتهم مقاضاة نعيم قاسم. رأينا جبهة عريضة تقول بصوت واحد: 'لن نسمح لإيران بالتدخل في شؤوننا'.
واستطرد من أنه ووفقا للتقارير الواردة من داخل النظام، يرى خامنئي أن نزع سلاح حزب الله يشكل ضربة للأمن القومي للنظام وهزيمة لا يمكن تعويضها. وبما أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا ولا يمكنه دعم حزب الله بالمال والسلاح والقوات كما كان يفعل في السابق، كما أن طريق سوريا إلى حزب الله قد أغلق، لذا يقول النظام إنه وصل إلى طريق مسدود في حل مشكلة حزب الله. والخط الذي يتبعه النظام هو خلق حالة من عدم الاستقرار في لبنان ليمنع بذلك نزع سلاح حزب الله، ومن ناحية أخرى ليمتلك ورقة في المفاوضات مع الغرب.
وقال، من ناحية أخرى، ووفقاً للأخبار الواردة من داخل النظام والتي انعكست حتى في وسائل إعلامه، يعتبر النظام زيارة لاريجاني إلى لبنان فاشلة. إضافة إلى ذلك، يدور الحديث حتى في وسائل إعلام النظام عن أن الموقف اللبناني القوي تجاه النظام يعود إلى أن الجميع يعلم أن النظام قد ضعف ولم يعد يمتلك قوته السابقة. 
ولفت الانظار الى أنه و على سبيل المثال، في 15 أغسطس، قال أحد المحللين الأمنيين للنظام في مقابلة مع صحيفة "انتخاب": " هذه المواقف التي اتخذها بعض المسؤولين اللبنانيين مؤخرا تجاه إيران تظهر أن الحكومة والسياسيين ووسائل الإعلام في لبنان قد توصلوا في الواقع إلى استنتاج مفاده أن إيران في الوضع الحالي غارقة في تحديات داخلية عميقة. وبالتالي، فهذه أفضل فرصة لتنبيه أعلى المستويات السياسية والقيادية في إيران إلى عدم التدخل في شؤوننا الداخلية بعد الآن. لقد أثرت حرب الـ 12 يوما على وجهات نظر بعض جيراننا تجاه إيران.".
ونوه أفشار الى أن هذا المشهد لم يكن ممكنا في زمن قاسم سليماني، أو حتى قبل عام واحد فقط. تذكروا كيف عطل حزب الله بأمر من طهران انتخاب رئيس للجمهورية لسنوات. أما اليوم، فالوضع تغير. لم يعد النظام قادرا على فرض إرادته كما كان. وأضاف لقد أثبتت تجربة لبنان أن النظام الإيراني في موقف ضعيف للغاية، وأنه لم يعد قادرا على دعم قواته العميلة كما كان في السابق. لذلك، فإن السياسة الصائبة في كل مكان هي الحزم والوقوف بصلابة في وجه تدخلات النظام. وينبغي العمل في هذا الصدد على فضح ممارساته وتشجيع الجميع على مواجهة سياسات النظام في المنطقة.
وقال، انطلاقا من التجربة اللبنانية الإيجابية، يمكن للقوى الفاعلة في الدول الأخرى التي تشهد تدخلا من النظام الإيراني أن تستلهم هذا النموذج. ففي العراق على سبيل المثال، بإمكان القوى الوطنية العمل على فضح مخطط النظام الإيراني الهادف إلى الحفاظ على الحشد الشعبي ومنع حله، والسعي لإفشال هذا المخطط.
وفيما يتعلق باليمن، أضاف موسى أفشار الى أنه ينظر إلى دعم الحكومة الشرعية لتمكينها من التقدم وتحرير البلاد من قبضة النظام وأذرعه، باعتباره المسار الصائب للمضي قدما. ذلك أن أي تردد أو مهادنة مع النظام الإيراني من شأنه أن يمنحه الفرصة لإعادة ترتيب أوراقه وتعزيز نفوذه في المنطقة. وخلافاً لذلك، لا يمكن تصور أي تغيير حقيقي. وإن إن اتخاذ مواقف حادة وصريحة ضد النظام، والوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة، هو وحده ما سيجبر هذا النظام الضعيف على التراجع إلى داخل حدوده، ولن يجرؤ بعدها على التفكير بالتدخل في شؤون جيرانه. وختم حديثه مستنتجا بأن هذا الفشل في فرض الإرادة في المنطقة يرتد مباشرة إلى الداخل الإيراني ليغذي الصراعات هناك.
الانعکاسات الداخلية
وعلق مدير الندوة مهدي عقبائي على حديث موسى أفشار وقام بربط الفشل الاقليمي الذي أشار إليه أفشار بما يجري في داخل إيران.
وقال، عندما يفشل النظام في الخارج، يشتد حرب الذئاب في الداخل. البيان الأخير لمن يسمون بالإصلاحيين ورد خامنئي عليه، ليس حوارا سياسيا، بل هو صرخات خوف على متن سفينة تغرق. كل طرف يلقی باللوم على الآخر قبل الغرق المحتوم، وخامنئي لم يعد قادرا على التحكم بجميع مفاصل نظامه كما في السابق.
وأضاف بأن هذا الصراع يتزامن مع أزمات داخلية عميقة يعجز النظام عن حلها. فالناس يعانون من انقطاع الماء والكهرباء، ومن تضخم دمر قدرتهم الشرائية. وهو ما اعترف به حتى رئیس النظام مسعود بزشكيان حين قال: 'لدينا مشاكل في كل شيء'.
وقال، تاريخيا، كان النظام يصدر أزماته للخارج كمتنفس له وللتغطية على فشله الداخلي. لكن يبدو أن هذا المنفذ يغلق الآن، كما رأينا بوضوح في لبنان. وهزائمه في الخارج، حين تتزامن مع عجزه في الداخل، تضاعف من ضعفه وتغلق أمامه الأبواب. والأخطر على النظام، أن كل هذا التصدع يحدث في ظل وجود بديل ديمقراطي منظم وقوي، متمثل في منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وفي ظل نشاط 'وحدات الانتفاضة' في الداخل، التي سرقت النوم من أعين الملالي بعملياتها اليومية.
وإستطرد، لذلك، لم يبق أمام النظام اليائس سوى أداة واحدة: تصعيد القمع، وزيادة الإعدامات والاعتقالات والتعذيب. إنه يحاول بناء جدار من الخوف ليحمي نفسه من انتفاضة شعبية حتمية يرى مؤشراتها في كل مكان. هذا ليس مظهر قوة، بل هو أقصى درجات الضعف والخوف.".
وخلص عقبائي الى القول بأنه إذا أردنا أن نلخص الصورة مرة واحدة، فإن النظام يواجه اليوم أربع أزمات رئيسية، وإلى جانبها يغرق في مشكلات أخرى يمكن الإشارة إليها بإيجاز على النحو التالي:
1 ـ خطر الحرب: مسؤولو النظام يلوحون باستمرار بهذا الخطر، وقواتهم في حالة استنفار دائم.
2 ـ عودة العقوبات الدوليـة: النظام يعيش هاجس تفعيل "آلية الزناد" (Snapback) التي من شأنها أن تخنق اقتصاده المنهار أصلا.
3 ـ الازمات الاجتماعية: من بينها أزمة المياه والكهرباء وغيرها من المعضلات المعيشية، من دون أي حلول حقيقية.
4 ـ تصاعد الخلافات الداخلية: الانقسامات والتناقضات غير المسبوقة بين أركان النظام تتفاقم، وتظهر علنا في مواجهة ولي فقيه بات ضعيفا.
وفي ختام اللقاء، أردف موسى أفشار مخاطبا المشارکين في اللقاء: أصدقائي الأعزاء، أوشكنا على نهاية لقائنا. خلاصة القول هذا المساء واضحة: إن ضعف وتصدّع النظام في طهران هو السبب، وفشله المتزايد في المنطقة هو النتيجة. والحل الجذري ليس في بيروت أو بغداد أو صنعاء، بل في قلب طهران نفسها. 
ونوه قائلا: وهنا يأتي دوركم ورسالتنا لكم. نحن في المقاومة الإيرانية نرى أن هناك نقصا كبيرا في فهم حقيقة ما يجري في إيران لدى الرأي العام العربي، وحتى لدى بعض النخب السياسية والمثقفين.
وأضاف قد يدرك الكثيرون عمق جرائم هذا النظام بحق شعبه ولکن قد لا یدرک حیثیات نضال الشعب الإیراني و جهوزیته في مجالین الداخلي والدولي من اجل اسقاط النظام. لافتا النظر الى أن الهدف من هذه اللقاءات هو إيصال هذا الصوت. ولذلك نتوجه إليكم أنتم، أصحاب الفكر النير، الذين تدركون بعمق قضايا إيران، ولا سيما ما يتعلق بنظام ولاية الفقيه وبالبديل الحقيقي له. هذا وعي ومعرفة قد لا يتوفران لكثيرين بهذه الدرجة من العمق والشمول.
وأضاف، ونحن نثق بأنكم ستجعلون هذه الرؤية حية في مقالاتكم، في مقابلاتكم، وفي حضوركم على منصات التواصل الاجتماعي. أنتم تعرفون خیرالمعرفة بأن سياسات المسايرة والاسترضاء ما زالت تهيمن على بعض وسائل الإعلام، وتمنع وصول صوت الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة إلى العالم. ومن خلالكم أنتم، يمكن كسر هذا الحصار الإعلامي وإيصال الحقيقة إلى كل بيت.

فيديو