اغتيال مديرة صندوق النظافة في تعز.. فاجعة تفضح الفوضى الأمنية ورعاية الإرهاب

تقارير - منذ 1 ساعة

تعز||عين الجنوب:
استيقظت محافظة تعز، صباح الخميس، على فاجعة جديدة هزّت المدينة وأعادَت السِّجلّ الأمني إلى نقطة الصفر، اغتيال الأستاذة إفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز، أثناء مرورها في سيارتها الشخصية بجولة سنان، ما أدى إلى مقتلها على الفور ولاذ الجناة بالفرار. 

الحادثة لم تكن حادثًا فرديًا في نظر كثير من المراقبين، بل خطابًا قويًا على هشاشة الأمن العام في المدينة، في ظل انتشار السلاح وتشظّي القوة ووجود عصابات وجماعات مسلحة تنسبها أطراف محلية إلى تنظيمات سياسية محددة.

تُعدّ هذه الجريمة- بحسب مراقبين ونشطاء- صدمة جديدة لأبناء تعز، وتضع الدولة والمجتمع أمام تحدٍ مزدوج حول استمرار الفوضى والانفلات الأمني وكيف يجرؤ الجناة على ارتكاب عملية اغتيال في وضح النهار؟ ومن يتحمل مسؤولية انحدار الوضع الأمني الذي بات يفتح المجال أمام مثل هذه الأفعال الإجرامية؟.

الأجهزة الأمنية نزلت إلى موقع الحادث وشرعت بالتحقيق وجمع المعلومات، في حين كانت الصرخات تتعالى بالقرب من الموقع من قبل أهالي الضحية ومواطنين بضرورة سرعة الكشف عن الجناة وعدم ترك القضية "مقيدة ضد مجهول" كما هو الحال مع الكثير من عمليات الاغتيال والتصفية التي شهدتها تعز خلال السنوات الماضية ولم يتم ضبط أو تقديم الجناة إلى العدالة.

تعز تعيش منذ أعوام وضعًا أمنيًا معقّدًا يتسم بتعدد الفاعلين المسلحين وتداخل النفوذ المحلي. وفي ظل غياب تطبيق منظومة سيطرة أمنية موحدة وقوة قضائية قادرة على الحسم، أصبحت المدينة مسرحًا لحوادث اغتيال واعتداءات تنظيمية وأمنية، بحسب مراقبين.

الاغتيال الأخير يضع ضغوطًا إضافية على القيادات الأمنية والمحلية، التي وجهت إليها أصابع الاتهام من مواطنين ونشطاء، مطالبين إياها بتحمل مسؤولياتها أو الرحيل عن مواقعها. كما أعاد الحادث إلى الصدارة نقاشات حول فوضى السلاح، وثقافة الإفلات من العقاب، والحاجة الملحّة لخطوات عملية لإعادة هيبة الدولة وحماية المدنيين العاملين في مؤسسات الخدمات العامة.

شهدت المدينة فور الإعلان عن الحادثة موجة استنكار شعبي واسعة، وتصدّر ناشطون إعلاميًا على صدر صفحاتهم بيانات تضامن مع أسرة الضحية. معبرين عن صدمتهم من الحادثة التي وصفونها بإنها جريمة نكراء وبشعة تسجل في جبين محافظة تعز.

الناشط ماجد البحري وصف الحادثة بـ"عمل إجرامي جبان"، مذكّرًا بدور الضحية في خدمة المجتمع ودعائه للجهات المعنية بسرعة التحقيق وتقديم الجناة للعدالة. وأضاف: بقلوب يعتصرها الألم والحزن أتقدم بأصدق مشاعر التعزية والمواساة في حادثة اغتيال الأستاذة افتهان المشهري مديرة صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز والتي رحلت عنّا إثر عمل إجرامي جبان لا يمت للإنسانية بصلة. لقد كانت الأستاذة افتهان نموذجًا للمرأة اليمنية المكافحة التي كرّست حياتها لخدمة المجتمع والعمل من أجل تحسين واقع المدينة فرُدّت لها يد الوفاء بالغدر والرصاص.

وقال: "أدين هذا العمل الإجرامي بأشد العبارات وأطالب الجهات المعنية بسرعة التحقيق وكشف الجناة وتقديمهم للعدالة ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه العبث بأرواح الأبرياء".

فيما الإعلامي كرم باحشوان: اتّهم في تعليق على فيسبوك جماعات مسلحة معروفة بالوقوف وراء حادثة اغتيال مديرة الصندوق, وأن هذه الجماعة سجلها معروف في سياسة الاغتيالات، وحمّل إعلام تعز جزءًا من المسؤولية بسبب انشغاله بقضايا أخرى بدل التركيز على أمن المدينة.

وقال باحشوان: "خبر موجع يهز القلوب قبل أن يهز الشارع مالذي يجعل شخصية مدنية– اجتماعية– تعمل في مؤسسة خدمية هدفًا للقتل بهذه الطريقة البشعة؟! أي منطق أو أي عقل يبرر أن تٌغتال السيدة إفتهان المشهري مدير صندوق نظافة - تعز التي كانت تشرف بنفسها على نظافة الشوارع وتزرع الأمل في حياة الناس؟. وأضاف: "للأسف هذا ليس جديدًا على جماعة الإخوان المسلمين، التي بنت حكمها على سياسة الاغتيالات وتصفية الخصوم".

وأضاف: "لكن المؤلم أكثر أن إعلام تعز بدل أن يسلط الضوء على أمن مدينته، انشغل لسنوات بمهاجمة الجنوب وقياداته وشوارعه. ولو كان تركيزهم على تعز وأمنها، لربما كان لها اليوم أثرٌ آخر يحمي أهلها ويصون دماءهم. الاغتيالات لا تبني وطنًا، ولا ترسم مستقبلًا، بل تزيد الجرح عمقًا وتزرع الخوف بدل الأمان. رحم الله الأستاذة افتِهان، والرحمة لكل ضحايا الغدر والاغتيال".

وقال الناشط نبيل البكيري: " ٢٤ ساعة أو ٤٨ ساعة كأقصى حد أمام سلطات تعز الأمنية لكشف الجناة في قضية إغتيال مديرة صندوق النظافة إفتهان المشهري وإلا فلتقدم استقالتها ومحاكمتهم كمقصرين في مهامهم وواجباتهم". وأضاف: "نوعية الجريمة صادمة وستتوالى لأن الجريمة السابقة التي طالت مدير أمن مديرية التعزية مرت مرور الكرام، و المجرمون أغراهم هذا الفشل الأمني في استمرار مسلسل الاغتيالات والفوضى في تعز، لأن هناك سؤال بسيط اليوم أين الكاميرات وأين الاستخبارات الأمنية التي تحمي حياة الناس وأمنهم ومعاشهم.

وأكد: " الدولة ليست مجرد مناصب وامتيازات وإنما مسؤولية كبيرة يجب عليك القيام بها أو فالترحل وترك المكان لمن هو أكفأ منك".

الناشط وثيق القاضي علق على الحادثة بالقول: تغتالون امرأة؟ بلغ بكم السقوط أن تطلقوا النار على أنثى خُلقت لتجمل قبحكم، "افتهان المشهري"، التي كانت تمسح تفاهتكم من أرصفة المدينة، صارت اليوم ضحية رصاصكم الأعمى. أي دركٍ هذا؟ أن تُغتال مسؤولة صندوق النظافة والتحسين في وضح النهار في مدينةٍ تُغتال فيها حتى اليد التي تحاول التجميل، إلى متى يظل أمن تعز رهينةً للانفلات والصمت والبلادة. من سينظف وجوهكم بعد اليوم، ومن سيُجمّل وجه مدينة تُنحر كل يوم بعد أن غاب عنها وجهها الأنظف في زمن التصحر الأخلاقي.

فيما علق الناشط أحمد البكاري: كيف تجرأ القاتل البلطجي تصويب رصاصته على امرأة لا تمتلك سلاحا ولا قوة صفتها فقط مسؤولة نظافة المدينة. بذلت افتهان جهودا في محالة تحسين النظافة في المدينة، لكنها واجهت عراقيل لكبح جهودها من منظومة فساد داخل الصندوق والسلطة المحلية التي تركتها وحيدة رافضة مساعدتها..

مصادر محلية أفادت بأن أجهزة الأمن وقادة الشرطة نزلوا إلى موقع الحادث وفتحوا تحقيقًا جنائيًا فوريًا. مطالب المجتمع المحلي تركزت على نقاط واضحة: كشف سريع للمشتبه بهم، عرض الأدلة أمام الرأي العام، عدم التهوين أو التقيد بالعبارة "مجهول" في ملفات القتل، ومحاسبة أي تقصير إداري أو استخباراتي مكّن الجناة من الإفلات.

نقاشات قانونية محلية تذهب إلى أن فعالية التحقيق ليست رهنًا بالبيانات الأولية فحسب، بل تتطلب قدرة استخباراتية على ربط الحوادث بسلاسل تمويل وسلاح ومخابئ وتقديم قرائن قابلة للعرض والمحاكمة. وفي غياب مثل هذه الآليات، تتكرر الحوادث وتزداد وتيرة الاستهداف للمدنيين والعاملين المدنيين.

تجسّد إفتهان المشهري، بحسب ناشطين ومواطنين، نموذجًا للمرأة العاملة والمكافحة التي كرّست جهودها لتحسين المشهد الحضري في تعز. كانت مشروعات النظافة والتحسين تتطلب مواجهة عراقيل إدارية ومالية وأحيانًا ضغوطًا ميدانية، وهو ما جعل عملها مكشوفًا ومرئيًا أمام جهات متعددة. استهدافها بهذا العنف يثير أسئلة أخلاقية وقانونية عن حدود الاستهداف السياسي أو الانتقامي ضد موظفي الخدمات العامة.

الاغتيالات السياسية والاجتماعية لا تُخلف ضحايا فرديين فحسب؛ بل تترك أثرًا طويل الأمد على جاهزية المؤسسات وإرادة العاملين للقيام بمهامهم. تهديد واغتيال مديرة صندوق النظافة قد يردع موظفين آخرين من الالتزام بعملهم، ما ينعكس سلبًا على الخدمات الأساسية وصحة المدينة، ويغذي منطق التحكّم المسلّح والفوضى. كما أن استمرار الإفلات من العقاب يمكن أن يزيد من عزلة تعز السياسية ويضعها في حلقة عنف متصاعدة، تُغري أطرافًا باستخدام العنف كأداة للمحافظة على مصالح أو لفرض هيمنة محلية.

النشاط المدني في تعز ودعوات النشطاء تُشير إلى ضرورة تدخل رقابي أوسع: مراقبة المؤسسات الأمنية، دعم قضائي للضحايا، وحماية للشهود. كما أن هناك مساحة لدور المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية للضغط من أجل تحقيق مستقل وشفاف، يمكن أن يكسر دوامة الإفلات من العقاب ويعيد الثقة إلى المواطنين.

اغتيال إفتهان المشهري يضع تعز أمام اختبار حقيقي: هل ستكون هذه الجريمة بداية لنقلة نوعية في ملاحقة مرتكبي الاغتيالات والفوضى المسلحة، أم ستتكرر كحلقات مؤلمة في مسلسل الإفلات من العقاب؟ مطالبة الشارع سابقة للسياسة: "كشف الجناة بسرعة ومحاكمتهم" ليست مجرد شعار، بل هي اختبار لمدى قدرة الدولة على حماية أبسط عناصر المجتمع المدني وضمان حقهم في العمل والحياة.

الشارع التعزي واليمني يترقبان الآن خطوات عملية: اعتقالات سريعة وكشف الحقائق وتقديم الجناة إلى العدالة. وفي غياب ذلك، سيبقى سؤال الأمن والسلطة ملتفًا حول رقبة المدينة، وسيستمر الصوت الشعبي في المطالبة بمساءلة حقيقية واستعادة هيبة الدولة.

فيديو