تصاعد العنف ضد النساء الحوثي والإخوان بين التصفية المنظمة والإفلات من العقاب

تقارير - منذ 3 ساعات

عين الجنوب | خاص:
تعيش مدن شمال اليمن في الآونة الأخيرة موجة غير مسبوقة من العنف الموجّه ضد النساء، في مشهد يعكس انهيارًا أمنيًا وتآكلًا للمنظومة القضائية في مناطق سيطرة الحوثيين والإخوان على حدٍّ سواء. وتُظهر حوادث الاغتيال المتتالية أن المرأة أصبحت هدفًا سهلًا في معركة النفوذ والتصفية السياسية والاجتماعية التي تخوضها الجماعتان داخل المدن الكبرى.

بدأ المشهد يتصدّر الرأي العام من مدينة تعز، حيث قُتلت الأستاذة افتـهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين، على يد عناصر متهمّة بالانتماء لحركة الإخوان. ورغم حالة الغضب الشعبي التي انتشرت عقب الحادثة، أُغلقت القضية بسرعة غير مفهومة بعد الإجهاز على الجاني، الذي يراه حقوقيون بأنه كان يحمل أسرارًا تتعلق بامتدادات نافذة داخل الأجهزة المحلية. وقد اعتبر كثيرون أن التخلص من القاتل كان حلقة ضرورية لإخفاء خيوط الجريمة، في مدينة لطالما عانت من صراعات داخلية بين مراكز نفوذ متنافسة.

وبينما كان الرأي العام يستوعب صدمة تعز، شهدت صنعاء حادثة مشابهة هزّت المجتمع عندما تم اغتيال الدكتورة وفاء المخلافي أثناء عودتها من أحد محلات الصرافة وبحوزتها مبلغ عشرة آلاف دولار. أُطلقت عليها النار وسُرق المبلغ في وضح النهار، في منطقة يفترض أنها من الأكثر تحصينًا أمنيًا داخل العاصمة. وسارعت جماعات حقوقية وناشطون إلى تحميل الحوثيين مسؤولية الانفلات الأمني المتعاظم داخل مناطقهم.

 وفي المقابل، أعلنت سلطات الحوثي القبض على الجناة، إلا أنّ ناشطين حقوقيين أبدوا تخوّفًا شديدًا من أن القضية ستُرحّل إلى كواليس القضاء الحوثي، كما حدث مع مئات الملفات الحسّاسة التي اختفت داخل الأدراج دون محاسبة.

ويرى مراقبون أن الحادثتين تعكسان وجهًا مشتركًا بين الإخوان والحوثيين، فالجماعتان على اختلاف خلفياتهما تمتلكان رؤية أيديولوجية متشددة تجاه المرأة، وتتعاملان معها كجزء قابل للاستغلال أو التصفية إذا تعارض وجودها مع مصالحهما. ويشير خبراء إلى أن البيئة الفكرية المتطرفة لكلا الجماعتين تُنتج مظاهر عنف مستمرة ضد النساء، ليس فقط بالقتل، بل بالاختطاف والإخفاء والابتزاز داخل غرف مغلقة.

وتعزز هذه الصورة حادثة أخرى مروّعة شهدتها صنعاء القديمة، حيث تم قتل امرأة وتمزيق جثتها على يد أحد عناصر الحوثي في مشهد أثار صدمة واسعة، وحرّك موجة احتجاجات إلكترونية تطالب بوقف الانتهاكات ومحاكمة الجناة أمام الإعلام. غير أنّ التجارب السابقة تؤكد، بحسب حقوقيين، أن العدالة في مناطق الحوثيين تُدار بمزاج سياسي يراعي الولاءات قبل دماء الضحايا.

وتثير هذه الحوادث أسئلة ملحّة حول مصير القضاء اليمني وقدرته على حماية المواطنين. فقد صرّح أحد المحامين في صنعاء —رفض الكشف عن اسمه— بأن “العدالة لم تعد موجودة في شكلها الطبيعي، والقاضي أصبح ينتظر إشارة من المشرف المسلّح قبل أن ينطق بالحكم”. بينما أكدت ناشطة حقوقية من تعز أن “كل جريمة تُغلَق دون محاسبة تفتح الباب لعشر جرائم جديدة”.

وتشير الإحصاءات إلى خطورة الوضع؛ فقد وثّقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أكثر من ألف وأربعمائة وستٍ وخمسين حالة قتل لنساء، إضافة إلى ألفين وثلاثمائة وتسعٍ وسبعين إصابة، وأربعمائة وسبعٍ وأربعين حالة اختطاف وإخفاء قسري وتعذيب في مناطق سيطرة الحوثيين فقط، دون أن تتضمن هذه الأرقام ما يجري في مناطق الإخوان، الأمر الذي يعني أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير مما هو معلن.

ويرى محللون أن هذه الظاهرة مرتبطة بانهيار سلطة الدولة، وتمدّد الجماعات المسلحة، وتفكك مؤسسات الأمن، وانتشار السلاح الخفيف في المدن. وفي المقابل، تحاول بعض الأصوات النسوية رفع مستوى الوعي بحقوق المرأة، إلا أن هذه الأصوات تُقابل بالقمع أو الاتهام بالعمالة والتغريب.

ويحذر خبراء اجتماع من أنّ استمرار هذا المسار سيُحدث تحوّلات عميقة في بنية المجتمع، فالعنف ضد النساء يُنتج أجيالًا محطّمة نفسيًا، ويُرسّخ قيم الانتقام والعزلة، ويُضعف أي محاولة للمصالحة الاجتماعية مستقبلًا. ويضيف خبير في علم الاجتماع في تعليقٍ لوسائل إعلام عربية: “إذا خسرت المرأة الأمان، يخسر المجتمع جذوره”.

وتتزايد الدعوات اليوم إلى تحويل هذه القضايا إلى ملفات رأي عام، وإجبار سلطات الأمر الواقع على كشف التحقيقات أمام الجمهور، خصوصًا أن عشرات العائلات تشتكي من فقدان بناتها دون أن تتلقى أي معلومة أو مسار قضائي واضح.

في ظل هذه الظروف، تبدو البلاد أمام مرحلة أكثر خطورة، حيث تتجاوز الجرائم حدود النفوذ السياسي لتطال صميم المجتمع وهيكلته. ومع غياب الضغط الشعبي الحقيقي، واستمرار الإفلات من العقاب، سيظل اسم امرأة جديدة يطفو على السطح كل أسبوع، لينضمّ إلى قائمة طويلة من الضحايا.

فيديو