تحليل :عندما كانت الشعوب صانعة لقراراتها المصيرية.. ثورة 14 أكتوبر في الجنوب وإعلان دولة الجنوب العربي

أخبار دولية - منذ 1 شهر

عين الجنوب | عدن - خاص 3 اكتوبر 2024

في تاريخ الأمم، تأتي لحظات حاسمة يتعين فيها على الشعوب أن تتخذ قرارات مصيرية تحدد مسارها ومستقبلها. وفي السياق العربي، تأتي ثورة 14 أكتوبر 1963 كأحد أبرز الأمثلة على كيف يمكن للشعوب أن تصنع قراراتها بمفردها لتحقيق الاستقلال والكرامة الوطنية.

 قادت هذه الثورة الثورة الشعبية الجنوبية إلى إعلان دولة الجنوب العربي، وهو قرار سيادي جاء نتيجة نضال الشعب ضد الاستعمار والظلم الذي استمر لـ 128 عام. حيث كانت محافظات الجنوب خاضعة للاستعمار البريطاني منذ عام 1839م عندما احتلت بريطانيا العاصمة عدن. تطور الاستعمار ليشمل معظم أجزاء الجنوب العربي، وكانت بريطانيا تهدف إلى استخدام العاصمة عدن كميناء استراتيجي لدعم تجارتها ونفوذها في المحيط الهندي، ولكن مع حلول منتصف القرن العشرين، بدأ وعي الشعب الجنوبي يتنامى بأهمية التحرر من الاستعمار والعيش بكرامة وحرية، خاصة في ظل المعاناة الاجتماعية والاقتصادية التي كان يعيشها ابناء الجنوب. 

كان للشعور الوطني المتزايد والتحولات السياسية في العالم دور كبير في تشكيل حركة مقاومة للاستعمار، علاوة على أن الرغبة في التحرر كانت توجه كل المواطنين الجنوبيين، تمثل ذلك في ثورة 14 أكتوبر 1963 من جبال ردفان، بقيادة عدد من اللجان الشعبية الوطنية التي تبنت الكفاح المسلح كوسيلة للتحرر من الاستعمار البريطاني. كانت الثورة نتيجة لتراكمات من الظلم والاضطهاد والتهميش، وشكلت نقطة تحول في تاريخ الجنوب العربي، قال فيها الرئيس علي سالم البيض حفظه الله، أنه من خلال الدعم الشعبي الكامل للقوى العسكرية التي كانت ضدالإستعمار جعلت من ثورة 14 اكتوبر أكثر صموداً أنتهت فعلياً بطرد الإحتلال البريطاني بشكل كلي. تمثلت فيه أهداف كافة ابناء الشعب الجنوبي لإنهاء الاستعمار البريطاني وتحرير كافة محافظات الجنوب من الاحتلال الاستعماري وإعادة السيادة إلى الشعب الجنوبي وتحقيق الاستقلال الوطني، تمخض من خلال إعلان وتأسيس دولة مستقلة عبرت عن تطلعات الشعب في العيش بحرية وكرامة وسعت بكل قوة الى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من خلال توزيع عادل للموارد. بعد سنوات من الكفاح والتضحيات، تمكنت الثورة من تحقيق أهدافها بإجبار بريطانيا على الانسحاب من الجنوب في 30 نوفمبر 1967 الذي لازال حدثاً وطنياً يحتفل فيه كافة ابناء الشعب الجنوبي حتى هذه اللحظة، أُعلن فيه استقلال الجنوب العربي وتم تأسيس جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية (والتي أصبحت لاحقًا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).

 كان هذا الإعلان بمثابة تجسيد لإرادة الشعب الجنوبي الذي اختار مصيره بنفسه، وتحدى القوى الاستعمارية الكبرى ليحقق استقلاله الفعلي لبى طموحات الجنوبيين بشكل فعلي.

تعكس ثورة 14 أكتوبر حقيقة أن الشعوب قادرة على صنع قراراتها المصيرية حين تتحد وتعمل بجد من أجل تحقيق هدف مشترك. لقد استطاع شعب الجنوب العربي، من خلال النضال المسلح والدعم الشعبي الواسع، أن يفرض إرادته على القوى الاستعمارية الكبرى وأن يحقق استقلاله.

ومن هذا الحدث الهام الذي سيعود ذكره وسيتم الاحتفال به بعد 11 يوم من هذا التقرير نستعرض بعض الدروس المستفادة من هذا الحدث الوطني الهام والمصيري في تاريخ شعب الجنوب وهويته العريقة.

أولاً: كانت الرغبة القوية للقوى واللجان الجنوبية عاملاً أساسي في نجاح الثورة، مما يبرز أهمية توحيد الصفوف في مواجهة التحديات الوطنية.

ثانياً: الإرادة الشعبية المشتركة التي عبرت أنه لا يمكن لقوة خارجية أن تمنع شعباً من تحقيق حريته عندما يكون لديه إرادة صلبة وتضحيات حقيقية.

ثالثاً: الدعم الإقليمي والدولي المعنوي، حيث استفاد الثوار من الدعم المعنوي والسياسي من الدول المجاورة ومن المجتمع الدولي، مما ساعد في تحقيق أهدافهم.
رابعاً: الهوية الجنوبية المشتركة: تتمثل في حقيقة أن شعب الجنوب من المهرة الى باب المندب جبهه واحدة، وشعب واحد، على الرغم من التدخلات الإقليمية اللاحقة التي حاولت إثارة إنقسامات داخلية، إنتقاماً من ثورة شعب الجنوب، ساعدت فيه أحزاب من اليمن الشمالي في إثارة هذه الإنقسامات سعياً لإحتلال الجنوب فيما بعد عام 1990، ووثائق التاريخ التي تؤكد ذلك موجودة حتى هذه اللحظة بدأ من الثمانينات، بل يتم إستخدامها مؤخراً ولكن نعلم من وراءها، والشعب الجنوبي قد فهم الدرس جيداً.

ومع كل هذه النجاحات والتحديات التي برزت في تلك الفترة من تاريخ شعب الجنوب ولا زالت إلا أن ثورة 14 أكتوبر وإعلان دولة الجنوب العربي تعتبر مثالاً حياً على قدرة الشعوب على صناعة قراراتها المصيرية حين تكون الرغبة والإرادة هما الأساس، ومستنده على نص من القرآن الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، حيث أبرزت وأكدت ولا زالت تؤكد أن ثورة 14 إكتوبر لم تكن تلك مجرد انتهاء فترة استعمار، بل كانت نقطة تحول في تاريخ الجنوب العربي، حيث أثبت الشعب الجنوبي الحر أنه قادر على تحدي القوى الكبرى وصناعة مستقبله بنفسه. تظل هذه الثورة رمزاً للفخر والإلهام لكل من يسعى للحرية والعدالة والاستقلال، ومع أن شعب الجنوب كان دوماً هو من يمد يد التعاون ويظهر حسن النوايا إلا أنه كانت مصالح الدول تأتي على حساب مصالح شعب الجنوب، فبدلاً من أن تكون مبنية على تعاون وتبادل للمنفعة، لا زال الواقع يشهد أن الإحتلال يأخذ مسميات وأشكال عدة ضارباً بمصالح الشعوب عرض الحائط، تمثل مؤخراً في الإنقسامات الإجتماعية والسياسية في محافظتي حضرموت والمهرة الجنوبيتين والتي أتت نتاج تأثير وتدخل دول إقليمية منها عمان بجانب تدخلات أحزاب اليمن الشمالي ممثلة بجماعة الحوثي وتنظيم الإخوان ومرتزقته في المحافظتين الجنوبيتين، فهل يحتاج شعب الجنوب الى 14 إكتوبر مرة أخرى يستعيد فيه السيادة على أرضه كاملة بمساندة ابناء الشعب الجنوبي الشرفاء والأحرار ؟ أم أن الشعب قد صار يقدم تنازلات لم تعزز إستقراراً ولم تنصف شعباً منذ 10 سنوات، ولكن بالرغم من كل هذه التحديات والصعوبات والضغوط والمعوقات والعراقيل والتدخلات الداخلية والخارجية يضل شعب الجنوب تاريخاً عريقاً من النضال والكفاح والدفاع عن مصالحه وأهدافه وأمنه وإستقراره، تمثلت في الرغبة والإرادة الشعبية المشتركة والطموح والأمل لكل ابناء الجنوب في تحرير وإستعاده كافه اراضيه كاملة السيادة من المهرة الى باب المندب ولنا في تاريخ الامم والشعوب مثال وعبره نتذكر فيها أنه مهما حاول أعداء التاريخ تحريف الحقيقة لابد من دولة الجنوب العربي أن تعود لأبناءها كاملة السيادة طال الزمان او قصر.

فيديو