هاني مسهور

السرديةُ الجنوبية في الذاكرة العربية ليست استدعاءً لماضٍ منسيّ، بل نبضٌ متصلٌ منذ الأحقاف الأولى

مقالات - منذ يومان

‏السرديةُ الجنوبية في الذاكرة العربية ليست استدعاءً لماضٍ منسيّ، بل نبضٌ متصلٌ منذ الأحقاف الأولى، حيثُ ولدت نبوّة هود عليه السلام من حضرموت لتُعلن أن الجنوب العربي كان مهدًا للرسالة، ومسرحًا للتاريخ قبل أن تُرسم الخرائط وتُخترع الجغرافيا،
من حضرموت العتيقة إلى عدن المشرعة على البحر، ظل الجنوب العربي بوّابة الحضارة وملتقى الطرق، تتلاقح فيه الهجرات، وتتداخل فيه الأصوات، ويغدو فيه الرمل ذاكرةً والبحرُ وثيقةَ نسبٍ بين العرب والعالم.

ولم يكن الجنوب يوماً سهلَ الانقياد للغريب؛ فحين وطئت أقدام البرتغاليين شواطئ عدن والشِّحر، نهض البحرُ في وجههم، كما ينهض الموج على الريح، فطُردوا، ثمّ أعاد التاريخُ نفسه مع رحيل البريطانيين الذين ظنّوا أن الجنوب يمكن أن بُؤسَر، لكنها ردّت إليهم المرافئ بالمدافع والبيان، واليوم، يعيد الجنوبُ كتابة فصله الثالث في سعيه لطرد الاحتلال اليمني، لا كحربٍ جديدة، بل كامتدادٍ طبيعيٍّ لمسيرة التحرّر الممتدة عبر القرون، في طريقه إلى إعلان الاستقلال الثاني.

ذلك الجنوب العربي الممتد من المهرة إلى باب المندب، لا يُعرّفُ نفسه بحدودٍ سياسيةٍ أو خرائطَ عابرة، بل بهويته المتجذّرة في اللغة والمروءة والتاريخ، وبتنوّعه الذي جعل منه نواة مشروعٍ لامركزيٍّ حديث، يستمد قوّتَه من حضارته، لا من نزعاتِ الثأر.

 السرديةُ الجنوبية .. ملحمةُ الجغرافيا والذاكرة، حيث يتعانق الرملُ بالبحر، والماضي بالمستقبل، لتظلّ الهوية الجنوبية العربية شاهدًا على أن العراقة لا تُستعار، والسيادة لا تُوهب، بل تُصان بالوعي كما تُصان بالدم.

\"الجنوبيون\" ينتسبون إلى جغرافيا صنعت اللغة والأعراق والنواميس وكل ما ينسب للعرب، أنهم قوم جاوروا بحرهم فسميّ بأسمهم \"بحر العرب\"، وجاوروا صحراء الأحقاف وفي القرآن العظيم سورة بأسم ترابهم.

السردية الجنوبية بكل فصولها من انبعاثها ومروراً باستقلال الأول وحتى بلوغ الثاني هي سردية أن قالت شيء فأنها ستقول عن حكاية أمة متحركة متفاعلة لم تبقى عند عبادة الاصنام كغيرها.

‎#اكتوبر_مجيد
من صفحة الكاتب على إكس

فيديو