قراءة تحليلية في خطاب المبعوث الأممي وإستمرار تجاهل المجتمع الدولي لقضية شعب الجنوب

السياسة - منذ 3 أيام

عين الجنوب | خاص

في أحدث تصريحاته، أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ عن مخاوفه من استمرار حالة الجمود السياسي في اليمن، محذراً من خطورة الانزلاق إلى دوامة جديدة من العنف إذا لم تتحقق خطوات عملية نحو السلام. أكد غروندبرغ أنه رغم الجهود التحضيرية المستمرة، فإن الأطراف اليمنية والمجتمع الدولي يواجهان تحديات كبيرة تمنع تنفيذ خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في عام 2023، مبرراً ذلك بتأثير الأزمات الإقليمية المتصاعدة، لا سيما الحرب في غزة.

حديث المبعوث كشف بوضوح أن الملف اليمني بات رهينة لمعادلات إقليمية ودولية تتجاوز حدوده. وأبرز النقاط في تصريحاته تعكس إحباط الأمم المتحدة من غياب التقدم على الأرض، مع تحميله الأطراف المحلية المسؤولية عن تعطيل العملية السياسية. لكنه في ذات الوقت، لم يتطرق إلى القضايا الجوهرية التي تمثل جزءاً كبيراً من الأزمة، وعلى رأسها قضية شعب الجنوب.

فمنذ انطلاق الحراك الجنوبي في 2007، عبّر شعب الجنوب بوسائل سلمية عن تطلعاته لاستعادة دولته المستقلة، وهي تطلعات ترتكز على إرادة شعبية وديمقراطية واضحة. ورغم ذلك، فإن الخطاب الدولي يتجنب التعامل مع الجنوب كطرف أساسي في الحل السياسي، متمسكاً بسردية ما يسمى (وحدة اليمن) التي أثبتت فشلها عملياً على مدى عقود. تجاهل المبعوث الأممي لتطلعات شعب الجنوب في تصريحاته الأخيرة يعكس هذا النهج الدولي الذي ينظر إلى الجنوب كجزء من معادلة يمنية موحدة، متجاهلاً واقع على الأرض ورفض الجنوبيين للوضع القائم.

التوترات الإقليمية التي أشار إليها غروندبرغ، خاصة في البحر الأحمر، تسلط الضوء على أهمية الجنوب في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، فإن القوى الكبرى تكتفي بمعالجة الأزمة اليمنية من زاوية منع تصعيد العنف وحماية المصالح الاستراتيجية، دون تقديم حلول شاملة تُنصف جميع الأطراف. الجنوب، الذي يملك موقع جغرافي استراتيجي ودور محوري في تأمين الممرات البحرية، يعتبر جزء أساسي من الاستقرار الإقليمي إذا ما تم التعامل مع تطلعات شعبه بجدية.

من جانب آخر، تحذيرات غروندبرغ من فقدان الزخم إذا استمر الجمود السياسي، تُشير إلى خطر تحول الوضع في اليمن إلى نزاع طويل الأمد، مع تفاقم الأزمة الإنسانية التي تعتبر من الأسوأ عالمياً. لكن تجاهل المبعوث لحقوق شعب الجنوب يثير تساؤلات حول مدى استعداد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للاعتراف بالقضايا العادلة للأطراف المختلفة.

القضية الجنوبية ليست مجرد مطلب سياسي ينبغي أن يفهم العالم ذلك، بل تعبير عن تطلعات شعب بأكمله لبناء دولة حديثة وديمقراطية بعيداً عن الهيمنة السياسية والاقتصادية التي مارسها الشمال لعقود. ومع ذلك، فإن المجتمع الدولي يواصل تجاهل هذا الواقع، مفضلاً التركيز على حلول وسطية غير فعالة تُعيد إنتاج الأزمة بدلاً من معالجتها من جذورها.

اليمن، كما قال غروندبرغ، يملك فرصاً للحل، لكن كما هو واضح غياب الإرادة الدولية في التعامل بجدية مع قضية شعب الجنوب، يعقد المشهد ويزيد من احتمالات التصعيد. إذا لم يُمنح الجنوب حقه في تقرير مصيره وفق الآليات الديمقراطية المعترف بها دولياً، وبدون ذلك يبدو من الواضح إن الأزمة ستستمر، ومعها ستتضاعف التحديات الإنسانية والسياسية في المنطقة.

يعكس خطاب المبعوث الأممي إحباطاً متزايداً لشعب الجنوب وطموحه المشروع في الإستقلال كحق لا يسقط بالتقادم خاصة في ظل غياب الاعتراف الدولي لهذا الحق القانوني. لذا نؤكد أن ما تحتاجه المنطقة ليس فقط خريطة طريق بل إرادة حقيقية للتعامل الجاد والعاجل مع القضايا الجوهرية وأهمها دعم تطلعات شعب الجنوب التي تُعد مفتاحاً لأي سلام مستدام في البلاد، والتي بدونها تعتبر فقط مجرد إختبار لصبر هذا الشعب منذراً بتوجهات على الأرض في سبيل تحقيق هذا الهدف الشعبي العادل مهما كانت التحديات.

فيديو