المملكة العربية السعودية بين العلاقات والإنجازات

تقارير - منذ 1 يوم

المملكة العربية السعودية رؤية طموحه وثقل إقليمي دولي

عين الجنوب | تقرير - خاص


من الإعلان عن افتتاح أول متجر لشركة أبل الأمريكية في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2026، والدور المتنامي لصندوق البحر الأحمر إلى الإستثمارات الأوروبية في المملكة الشقيقة، والذي يعكس تحولات استراتيجية في المشهد الاقتصادي والثقافي للمملكة، وهي تحولات تأتي ضمن رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الحضور السعودي على الساحة الدولية.  

قرار أبل بافتتاح متجرها الأول في السعودية يُظهر إدراكها للإمكانات الاقتصادية الكبيرة التي توفرها المملكة، حيث تعد السوق السعودية واحدة من أكبر الأسواق في المنطقة، مدعومة بشريحة سكانية شابة ومتزايدة الاعتماد على التكنولوجيا. المملكة، بما تحمله من مكانة تاريخية عظيمة ورؤية حديثة لتصبح وجهة ثقافية وسياحية، تشكل الموقع المثالي لمثل هذه الخطوة. هذا القرار يعكس أيضاً البيئة الاقتصادية الجديدة في المملكة، التي أصبحت أكثر انفتاحاً ومرونة لجذب الاستثمارات الأجنبية. خاصة في الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التي نفذتها المملكة خلال السنوات الأخيرة والتي ساعدت على تحسين مناخ الأعمال، ما يجعلها وجهة جذابة للشركات العالمية. بالنسبة لـ أبل، فإن هذه الخطوة ليست فقط استثماراً اقتصادياً، بل رسالة واضحة على تعزيز وجودها في منطقة تحمل إمكانات نمو كبيرة.  

ومن جهة أخرى، يلعب صندوق البحر الأحمر للأفلام دوراً حيوياً في تعزيز القوة الناعمة السعودية من خلال الاستثمار في الإنتاج السينمائي العربي والأفريقي. الدعم المقدم لـ250 مشروعاً سينمائياً خلال أربعة أعوام، والذي أثمر عن ترشيحات وفوز بجوائز دولية، يعكس التأثير الإيجابي لهذه المبادرة في تعزيز الإنتاج الإبداعي في المنطقة.  

ميزانية الصندوق البالغة 14 مليون دولار، على الرغم من أنها تبدو محدودة مقارنة بالاستثمارات الكبرى الأخرى، لكنها تعكس استثماراً استراتيجياً موجهاً بعناية لتعظيم الفائدة الثقافية والدبلوماسية. نجاح هذه المشاريع في المحافل الدولية يعزز صورة المملكة كمركز إبداعي وداعم للمواهب، ما يسهم في بناء روابط ثقافية مع دول أخرى، ويفتح فرصاً جديدة للتعاون في مجالات الفنون والثقافة.  

كل من هذه التطورات يأتي في إطار استراتيجية أوسع تتبعها المملكة لتعزيز علاقاتها مع الغرب خاصة بعد توجهات لتنويع المملكة لشركاءها لحاجة في نفسها كرسائل لحلفاءها الإعتيادين مؤخراً. لكن يبدو أن العلاقات السعودية الغربية ستشهد تحسناً مجدداً، مع دلالات حول توازن دقيق بين مصالح المملكة السياسية والاقتصادية. تعزيز الاستثمارات الأجنبية ودعم المشاريع الثقافية يعكس رغبة المملكة في تقديم نفسها كشريك اقتصادي وثقافي، في وقت تحاول فيه بناء اقتصاد غير معتمد على النفط.  

في المقابل، الشركات العالمية، مثل أبل وقبلها سيتي غروب، تجد في السعودية سوقاً واعدة وفرصة للمشاركة في التحولات الجارية. أما الصندوق الثقافي فيعتبر أداة فعالة لإعادة صياغة الصورة النمطية عن المملكة في الخارج، وتسويقها كمركز للفنون والثقافة.  

هذه التطورات الملفته تعني حتماً أن السعودية تسير بخطى مدروسة نحو تحقيق توازن بين تحسن علاقاتها مع الغرب وتعزيز مكانتها الاقتصادية والثقافية، في وقت تسعى فيه لتحقيق أهدافها الطموحة لرؤية 2030.

لكن، لقراءه هذه الخطوات ضمن سياق أوسع خاصة بعد التقارب السعودي-الإيراني، والتحركات داخل منظمة أوبك+، والتي تعكس استراتيجية متعددة الجوانب تهدف إلى تعزيز مكانة السعودية على المستويين الإقليمي والدولي. حيث أن التقارب بين السعودية وإيران، الذي ترعاه قوى دولية مثل الصين يبدو خياراً فرضته الظروف المحيطة، أعاد تشكيل الديناميكيات السياسية في المنطقة. بينما يعمل الجانبان على تهدئة التوترات وتعزيز الحوار، تقدم السعودية نفسها كلاعب إقليمي مستقر وجاذب للاستثمار. مثل هذه التطورات الاقتصادية والثقافية تدعم مكانة السعودية كقوة دبلوماسية قادرة على الجمع بين المصالح الاقتصادية والانفتاح السياسي.  

بالمقابل، يُنظر إلى هذا التقارب على أنه فرصة لإيران لتعزيز استقرارها الاقتصادي عبر التعاون في مجالات مثل الطاقة، ولكن المملكة تظل حريصة على استثمار هذا التقارب بما يخدم مصالحها دون التفريط في علاقاتها القوية مع الغرب، خاصة وأن إيران ليست طرف محتمل للمملكة نظراً للتباين الإيديلوجي سياسياً، وإجتماعياً وثقافياً وإقتصادياً.

وفي إطار أوبك+، تلعب السعودية دوراً قيادياً في تحقيق توازن أسواق النفط، وهو ملف بالغ الحساسية في ظل التقارب الإيراني-السعودي. التعاون بين الطرفين ضمن المنظمة يساهم في ضمان استقرار أسعار النفط، وهو ما ينعكس إيجاباً على الاقتصادين السعودي والإيراني، لكن السعودية تستخدم هذه المنصة أيضاً لتعزيز نفوذها كقائد إقليمي يحافظ على استقرار الاقتصاد العالمي.  

على المستوى الدولي، الانفتاح الاقتصادي للسعودية عبر جذب استثمارات كبرى يعزز صورتها كشريك اقتصادي موثوق للغرب تحديداً، في المقابل، قد تجد إيران في هذا التعاون فرصة لتجنب العقوبات الاقتصادية عبر تصدير النفط ضمن توافق أوبك+. ومن خلال جذب استثمارات كبرى يعكس هذا تحسن العلاقات السعودية الغربية، حيث تُظهر الشركات الغربية ثقة أكبر بالاستثمار في المملكة في ظل إصلاحاتها الاقتصادية. بالتوازي مع ذلك، تعزيز التعاون السعودي-الإيراني قد يُثير تساؤلات لدى الغرب، وربما مخاوف أيضاً، لكن السعودية تعمل على تحقيق توازن دقيق، من خلال الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الدول الغربية، مع السعي لتهدئة الأوضاع الإقليمية.  

السعودية تُدرك أن مستقبلها الاقتصادي والسياسي يعتمد على تنويع مصادر القوة، سواء من خلال جذب الاستثمارات العالمية، أو تعزيز التعاون الإقليمي، أو توظيف قوتها الناعمة عبر الثقافة والفنون. هذا التوازن بين الانفتاح الدولي والتعاون الإقليمي يضع المملكة في موقع استراتيجي متميز، يمكنها من لعب دور أكثر تأثيراً في القضايا الإقليمية والدولية.  

بالتالي، التقارب مع إيران، الدور القيادي في أوبك+، واستقطاب الشركات العالمية مثل أبل، ليست مجرد سياسات منفصلة، بل خطوات مترابطة ضمن رؤية متكاملة تعزز من مكانة السعودية كلاعب رئيسي على الساحة العالمية.

حيث بالأمس رأينا زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للسعودية، التي تعد الأولى له منذ توليه المنصب والدي تم إستقباله بترحيب حار واضح المعالم، حاملاّ رسائل متعددة في سياق العلاقات الدولية والاقتصادية المتجددة. الزيارة تأتي ضمن جهود بريطانيا لتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع دول الخليج، بما في ذلك التفاوض حول اتفاقيات تجارة حرة وجذب الاستثمارات. 

لكن في ظل التقارب الإيراني-السعودي وتطورات الطاقة العالمية، يمكن قراءة هذه الخطوة كإعادة تموضع بريطانية لدعم علاقتها مع لاعب رئيسي في منظمة أوبك+ ومجال التحول للطاقة النظيفة، حيث تم توقيع اتفاقية لإنشاء معهد مشترك للهيدروجين النظيف. 

من جهة أخرى، تعكس الزيارة رغبة بريطانيا وقبلها زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الاستفادة من الزخم التنموي والاستثماري الذي تشهده السعودية ضمن رؤية 2030، ما يعزز العلاقات الثنائية على المستويات الاقتصادية والثقافية والدفاعية، ويضعها في قلب التحولات الجيوسياسية في المنطقة.

فيديو