من إب إلى صنعاء وتعز.. حملة حوثية شرسة تلتهم ما تبقى من أنفاس الاقتصاد

أخبار دولية - منذ 6 ساعات

عين الجنوب| صنعاء

  لم تعد بيئة الاستثمار في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي سوى حقل ألغام يترنح فيه رأس المال، ويتساقط فيه المستثمرون ضحايا بين ابتزاز قضائي وملاحقات أمنية واقتحامات مسلحة.. ففي أقل من أسبوع اهتزت عدة مدن تحت وقع تصعيد حوثي ممنهج، يستهدف ما تبقى من أنفاس القطاع الخاص، في مشهد يشي بتحول اليمن المنكوب بالحوثيين إلى منطقة طاردة لأي نشاط اقتصادي حر.
 
في محافظة إب أعلن مركز "ون مول" التجاري –أكبر منشأة تسوّق حديثة في المدينة– تعليق نشاطه بعد اقتحام نفذته جهات أمنية حوثية مسلّحة، دون مسوّغ قانوني.. المول الذي كان يحتضن أكثر من 225 موظفاً ويرتبط بـ500 مورد وشركة محلية، وجد نفسه مغلقاً منذ أكثر من 40 يوماً، تحت وطأة قرار إداري غامض، وصفته الإدارة بـ"أوامر لا تعرف من القانون سوى الاسم".
 
وفي بيان موجع أطلقت إدارة المول صرخة مدوية: (نُغلق قسراً.. ونُعاقَب لأننا ما زلنا نحاول أن نستثمر)، مشيرة إلى أن الاقتحام الحوثي جاء بعد سنوات من الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن الحرب.
 
وسخرت الإدارة بمرارة من واقع "القانون الخاضع لمليشيا الحوثي، قائلة: (قلنا انتهى زمن الوساطات، ففوجئنا بزمن العلاقات والقرب من القيادة.. فلا حدود لسلطتهم، ولا يسمعون، ولا يعلمون ما معنى التجارة أو النزاع أو السمعة).
 
وفي صنعاء برزت قضية التاجر المدني "علي عدنان الشعساني" الذي وجد نفسه أمام المحكمة العسكرية لا لشيء سوى أنه دخل في خلاف تجاري مع رجل أعمال نافذ.. وبحسب الشعساني تم تضخيم المطالبات المالية من 94 مليون ريال إلى أكثر من 500 مليون، في مشهد عبثي بدأ بتحويل قضيته إلى محكمة لا تمت له بصلة، وانتهى بحكم مصادرة أمواله خلال أربع جلسات فقط، دون السماح له بالدفاع عن نفسه.
 
الشعساني وصف الحكم بـ"فصل من فصول الابتزاز المالي باستخدام أدوات قضائية وأمنية"، مشدداً على أن القاضي نفسه يفتقر إلى الأهلية القانونية، في واحدة من عشرات القضايا التي تحوّل فيها القضاء الحوثي إلى مطرقة فوق رؤوس رجال الأعمال.
 
إغلاق واستحواذ.. مسلسل لا يتوقف
 
في الجراف شمال صنعاء، صادرت مليشيا الحوثي صالة مناسبات حديثة تعود للمستثمر "أحمد مهدي الحجري" رغم التزامه بكل الشروط المفروضة عليه.. أُغلق المشروع بالشمع الأحمر، بينما كانت الأرض المجاورة تتحوّل –بسرعة البرق– إلى مركز ديني تابع للمليشيا، على الطريقة الإيرانية.
 
وفي تعز لم يكن الوضع أفضل؛ إذ فُرضت على مصنع "كميكو" للطلاء والكيماويات إتاوات سنوية بقيمة 200 مليون ريال تحت مسمى "الحماية" في حين تم نشر مسلحين داخل المصنع ومنع بعض الشركاء من الوصول إليه، في استغلال فجّ لخلافات تجارية لتأميم المنشأة بشكل غير مباشر.
 
وفي شارع 14 أكتوبر بصنعاء، أُغلق أحد فروع سلسلة مطاعم "الكندي" الشهيرة، بينما يتهدد الإغلاق فرعها الرئيسي أيضاً، نتيجة جبايات تعسفية وضغوط متزايدة من سلطات المليشيا، ضمن حملة تستهدف أقسام العوائل في المطاعم والمقاهي.
 
وفي ذمار اضطر مركز "صقر للإعلام" –وهو أول معهد تدريبي من نوعه في المحافظة– لإغلاق أبوابه بعد عامين من النشاط، نتيجة استدعاءات أمنية متكررة ومضايقات استنزفت طاقته وموارده؛ وأكد مالكه الصحفي صقر أبوحسن أن الاستهداف لم يكن مهنياً ولا قانونياً، ولكن نتاج رفض المليشيا لأي صوت مستقل خارج وصايتها.
 
بيئة طاردة.. واقتصاد في موت سريري
 
كل هذه الوقائع المتلاحقة لا تمثل سوى عينة من واقع استثماري مختنق، يحكمه منطق الجباية والمصادرة والاستحواذ؛ فالاستثمار في مناطق سيطرة الحوثي لم يعد مجازفة بل مقامرة خاسرة؛ لا تحميها قوانين ولا تنصفها محاكم ولا تصونها أجهزة أمن، ولكن تحاصرها منظومة حوثية تستنزف رأس المال تحت ذرائع دينية وأمنية وقضائية.
 
إن ما يجري سياسة ممنهجة لتجريف القطاع الخاص واستبداله بقطاع موالٍ يتبع المليشيا ويموّل مشاريعها الطائفية والعسكرية، في سياق اقتصاد حرب موجه، يُبقي ملايين اليمنيين رهائن للجوع والبطالة، ويقوّض أي أمل في التعافي أو الاستقرار.

فيديو