إجتماع مجلس القيادة الرئاسي | النوايا والتوقعات

السياسة - منذ 8 شهر

قراءة تحليلية حول اجتماع مجلس القيادة الرئاسي وسفراء الرباعية الدولية

عين الجنوب | تحليل - خاص

في محاولة لملمه ما فشل فيه مجلس القيادة الرئاسي خلال الفترات الماضية، يأتي الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وأعضاء المجلس مع سفراء الدول الكبرى المتمثلة في الرباعية الدولية (السعودية، الولايات المتحدة، الإمارات، والمملكة المتحدة) إضافة إلى فرنسا في لحظة مفصلية من مسار الأزمة اليمنية، سواء على الصعيد السياسي، الاقتصادي، أو الأمني. فهذا الاجتماع بما يحمله من رمزية سياسية ودبلوماسية يشي بمضامين أعمق تتجاوز المجاملات البروتوكولية المعتادة، ويضع خطوط واضحة لتوجهات الشركاء الدوليين تجاه اليمن في المرحلة المقبلة.

الاجتماع خاصة في هذه المرحلة يحمل إشارات إلى عدة أبعاد حيوية في المشهد اليمني. أولاً، حضور ممثلي دول الرباعية الدولية وفرنسا، وهي أطراف رئيسية في الصراع اليمني سواء من خلال التأثير العسكري أو الاقتصادي، يمثل تجديداً واضحاً للالتزام الدولي بدعم مجلس القيادة الرئاسي، باعتباره الإطار الرسمي المعترف به دولياً لتمثيل الشرعية اليمنية. هذه الخطوة تأتي لتعيد توجيه الأنظار نحو محاولات تثبيت الاستقرار اليمني من خلال تقوية المؤسسات المعترف بها، ودفع عجلة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي طالما عرقلتها عوامل داخلية وخارجية، منها فشل المسؤولين في إدارة شؤون الشعب، تهديدات الحوثيين...الخ

لكن في الوقت نفسه، من الضروري قراءة الاجتماع في إطار المساعي الإقليمية والدولية الحالية لإعادة رسم خارطة الحلول في اليمن. بعد سنوات من الجمود، بات من الواضح أن هناك توجه دولي لتسريع التسوية السياسية، لكن ضمن إطار يحقق الحد الأدنى من الاستقرار بعيداً عن الخيارات الراديكالية أو الاندفاعية. وهذا يعني أن دعم الرباعية الدولية لا يزال مرهون بمدى قدرة مجلس القيادة الرئاسي على إثبات فاعليته في الملفات الرئيسية: الاقتصاد، الحوكمة، والأمن والذي فشل فيه حتى هذه اللحظة.

الدول الكبرى باتت تدرك أن الفشل الاقتصادي هو المحرك الأساسي لاستمرار الصراع. فالتدهور الاقتصادي وتدهور الخدمات في اليمن وفَّر بيئة خصبة لنمو الجماعات المسلحة والإرهابية وتفاقم الأزمات الإنسانية. لذا، فإن دعم الحكومة ومجلس القيادة يأتي مشروطاً بإحراز تقدم ملموس في تحسين الخدمات الأساسية وإعادة بناء المؤسسات. إضافة الى إعادة توجيه الدعم نحو التنمية المستدامة، فكما رأينا تصريحات السفراء خاصة سفير الولايات المتحدة، تُظهر نية حقيقية للابتعاد عن الحلول الإنسانية المؤقتة والتركيز على دعم الاقتصاد والتنمية ومكافحة الفساد من أجل تحقيق استقرار طويل الأمد.
لكن هذا الدعم، وإن كان يبدو إيجابياً، يحمل تحديات حقيقية. فالحكومة اليمنية المركزية تواجه معضلات معقدة تتعلق بالفساد، غياب الكفاءة، وتآكل الثقة الشعبية سواء في الجنوب أو الشمال، مما يعني أن نجاحها في الإصلاح الاقتصادي مرهون بقدرتها على إقناع المجتمع المحلي والدولي بقدرتها على إحداث تغيير فعلي.

والأهم هو أنه في ظل هذا الاجتماع، يبقى ملف القضية الجنوبية التحدي الأكثر حساسية أمام مجلس القيادة الرئاسي والدول الداعمة. فطموحات شعب الجنوب واضحة في التوجه نحو تحقيق الاستقلال وبناء دولة فيدرالية ضمن إطار مشروع وطني جنوبي خاص بهم. لكن هذا الطموح يتصادم مع محاولات الدول الكبرى، خاصة الرباعية الدولية، للوصول إلى تسوية سياسية تحفظ وحدة اليمن بشكل أو بآخر، على الأقل في المرحلة الراهنة.

يبدو أن المجتمع الدولي يتبنى رؤية ترقيعية تتمثل في تحقيق استقرار مؤقت يعالج القضايا العاجلة (الاقتصادية، الأمنية) مع تأجيل الملفات الجوهرية كالقضية الجنوبية إلى مرحلة لاحقة من الحوار السياسي الشامل.

لكن هذه المقاربة المؤقته حتماً أمامها عوائق كبيرة:
أبرزها صعود المجلس الانتقالي الجنوبي كممثل رئيسي للقضية الجنوبية. فالانتقالي يتمتع بشرعية شعبية في الجنوب، ويمتلك نفوذ عسكري وإداري لا يمكن تجاهله. علاوة على انه يتعرض لضغط شعبي جنوبي هائل لتحقيق الاستقلال والحكم الفيدرالي، لذا أي محاولات لتجاهل هذه الطموحات قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع، وهو ما لا تتحمله أي تسوية سياسية دولية.
ومع ذلك، يمكن فهم أن الرباعية الدولية تسعى لخلق نوع من التوازن بين دعم الشرعية اليمنية الحالية ومراعاة الواقع الجنوبي، من خلال تشجيع الحوار الجنوبي-الشمالي ضمن إطار أوسع يضمن استقرار البلاد على المدى البعيد.

علاوة على ذلك لا يمكن فصل هذا الاجتماع عن هدف أوسع يتمثل في تقليص نفوذ الحوثيين، الذين أصبحوا طرف يهدد الأمن الإقليمي والدولي، خصوصاً مع تصاعد هجماتهم على الملاحة البحرية والمصالح الغربية. الدعم الدولي لمجلس القيادة الرئاسي يمثل محاولة لإعادة ترتيب البيت الداخلي بحيث يُشكل تحالف الشرعية قوة موحدة قادرة على مواجهة التمدد الحوثي سياسياً وعسكرياً. وفي الوقت ذاته، فإن تقوية السلطة الشرعية من خلال الدعم الاقتصادي يعزز نفوذها الشعبي ويقلل من قدرة الحوثيين على استقطاب المواطنين المتضررين اقتصادياً. ومن خلال تحليل مجريات الاجتماع، يمكن توقع أن المرحلة القادمة ستشهد: زيادة في الدعم الاقتصادي المشروط بتنفيذ إصلاحات واضحة وجادة. إضافة الى ضغوط أكبر على مجلس القيادة الرئاسي لتحقيق تقدم في الملفات الأمنية والسياسية، وإشراك جميع الأطراف الفاعلة بما فيها الجنوبيون في مسار التسوية. والأهم هو محاولات لاحتواء القضية الجنوبية عبر دعوات للحوار ضمن إطار سياسي جامع قد يتم بلورته لاحقاً برعاية دولية.

والسؤال هل نحن أمام مرحلة جديدة؟
بينما هذا الاجتماع يمثل نقطة تحول مهمة في المشهد اليمني، لإعادة تأكيد الدعم الدولي لمجلس القيادة الرئاسي، وفي الوقت ذاته هو رسالة ضمنية لجميع الأطراف، بما في ذلك الجنوبيون، بأن الحل القادم سيكون وفق صيغة توافقية تراعي مصالح جميع القوى دون السماح بانهيار الدولة.

لكن يبقى السؤال المفتوح: هل سيظل شعب الجنوب رهينة لحلول مؤقته تزيد وطئه المعاناة، أم أنها ستؤدي الى ثورة حقيقية تلبي طموحاته بشكل فعلي، بعيد عن محاولات الحفاظ على توازن شكلي مؤقت؟ خاصة وأن إستمرار شعب الجنوب في وضع اللاحل لا يفيد أي طرف سواء في الجنوب او الشمال.

فيديو