اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين في بروكسل

دراسات وتحليلات - منذ يومان

قمة حاسمة وسط حالة من عدم اليقين العالمي

عين الجنوب | خاص

 الخميس، سيجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل لحضور قمة عالية المخاطر تستمر يوم واحد، وتَعِد بتشكيل المسار المستقبلي للكتلة في عالم متقلب بشكل متزايد. ومع وجود أزمة أوكرانيا في صدارة جدول الأعمال، إلى جانب القضايا الحاسمة التي تتراوح من الصراع السوري إلى الأزمة السياسية في جورجيا، ستكون القمة لحظة حاسمة في دبلوماسية الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تحدد المناقشات استجابة الاتحاد الأوروبي للتحديات الجيوسياسية المستمرة، وإصلاح سياسة الهجرة، والديناميكيات المتغيرة التي أحدثتها إدارة ترامب في الولايات المتحدة.

 وبينما يستعد رؤساء الدول والحكومات الأوروبية لهذا الاجتماع، فإن الأجواء تتسم بالإلحاح والتأمل. وفي ضوء الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تقديم جبهة موحدة والتأكيد من جديد على التزامه بدعم كييف في مواجهة العدوان المتصاعد. ومع ذلك، فإن القمة تمثل أيضاً فرصة لمعالجة المسائل الداخلية التي يمكن أن تؤثر على تماسك الاتحاد الأوروبي ودوره المستقبلي على المسرح العالمي. ومما لا شك فيه أن القضية الأكثر إلحاح على الطاولة ستكون الغزو الروسي لأوكرانيا. فمنذ بدء الحرب في فبراير/شباط 2022، تتصارع أوروبا مع أزمة لم تهدد أمن حدودها الشرقية فحسب، بل كانت لها أيضاً تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة. وبسببها فرض الاتحاد الأوروبي سلسلة من العقوبات على روسيا، وعرض مساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا، واتخذ خطوات لدعم اللاجئين الأوكرانيين. ولكن مع دخول الحرب عامها الثالث، تتزايد التساؤلات حول استراتيجية الاتحاد الأوروبي طويلة المدى.

ومن هذا المنطلق، من المرجح أن يناقش الزعماء كيفية الحفاظ على دعمهم لأوكرانيا دون تقويض الاستقرار الداخلي. خاصة وان من الصعب جداً تجاهل ارتفاع تكاليف الطاقة، والتضخم، والأثر الاقتصادي الناجم عن العقوبات بالنسبة للعديد من دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الطاقة الروسية. وهناك أيضاً مسألة المدى الذي يرغب الاتحاد الأوروبي في الذهاب إليه من حيث الدعم العسكري، في ظل استمرار التدقيق في مشاركة حلف شمال الأطلسي في الصراع. وسيحتاج الزعماء إلى إيجاد توازن بين مواصلة الضغط على موسكو وتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا التي قد تؤدي إلى تصعيد الوضع بشكل أكبر.
لذا من المتوقع أن تكون استراتيجية الاتحاد الأوروبي طويلة المدى تجاه أوكرانيا ومرتبطة أيضاً بالمناقشات حول السياسة الأمنية. فلا يمكن أن ننكر ان الغزو قد كشف عن نقاط الضعف التي تعيب البنية الأمنية في أوروبا، لذا من المرجح أن يكون هناك تركيز متزايد على تعزيز القدرات الدفاعية داخل الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تعميق التنسيق مع منظمة حلف شمال الأطلسي. ومن المرجح جداً أن تخرج أوروبا أكثر عسكرة من هذه القمة، مع التأكيد المتجدد على الاستقلال الاستراتيجي، مما يضمن قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها دون الاعتماد بشكل كامل على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

فبالإضافة إلى الأزمة في أوكرانيا، ستتناول قمة الاتحاد الأوروبي أيضاً الصراع السوري والصراع المستمر من أجل انتقال السلطة في ظل تعارض الاراء بين الفصائل المدعومة أمريكياً وتلك المدعومة تركياً. مما جعل سوريا امام تحدي جديد، وبالرغم قد تشهد القمة مناقشة زعماء الاتحاد الأوروبي مبادرات دبلوماسية جديدة تهدف إلى حل الصراع السوري.

اما فيما يخص جورجيا وطموحاتها في الإنظمام قد تكون هناك نقطة أخرى مهمة للمناقشة حيث هزت الاضطرابات السياسية والاحتجاجات البلاد في الأشهر الأخيرة. ويراقب الاتحاد الأوروبي الوضع عن كثب، باعتباره شريكاً رئيسياً في المنطقة ويطمح إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. إن الاحتجاجات، التي أشعلتها مزاعم القمع السياسي والمخاوف بشأن تراجع الديمقراطية في البلاد، وضعت الاتحاد الأوروبي في موقف صعب. فمن ناحية، تريد دعم التطلعات الديمقراطية لجورجيا وتوفير المسار نحو التكامل؛ ومن ناحية أخرى، يجب عليها معالجة عدم الاستقرار الداخلي الذي يهدد مستقبل البلاد.
في هذه القمة، من المرجح أن يناقش زعماء الاتحاد الأوروبي كيفية الاستجابة على أفضل وجه للوضع في جورجيا، من خلال الموازنة بين دعم تطلعات البلاد المؤيدة لأوروبا والحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي في المنطقة. وقد تكون هناك أيضاّ مناقشات حول توسيع الاتحاد الأوروبي، حيث تسعى جورجيا، إلى جانب الدول الأخرى في الشراكة الشرقية، إلى إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد. ورغم أن الاتحاد الأوروبي أعرب عن دعمه لتطلعات جورجيا، فمن غير الواضح ما إذا كان هناك الزخم الكافي لتحقيق تكامل أعمق في الأمد القريب، وخاصة في ضوء التحديات الداخلية المستمرة داخل الاتحاد الأوروبي ذاته، بالإضافة الى الإعتراض الروسي الحتمي.

 وفي سياق الإتحاد هناك مشكلة الهجرة والتي تعتبر إحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي. حيث كشفت أزمة المهاجرين التي بدأت في عام 2015 عن انقسامات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع تدفق اللاجئين وطالبي اللجوء، وخاصة من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. وفي حين دعت بعض الدول الأعضاء، مثل ألمانيا وفرنسا، إلى اتباع نهج جماعي أكثر تعاطفاً ومرونه، قاومت دول أخرى، وخاصة في أوروبا الوسطى والشرقية، فكرة الحصص الإلزامية لنقل اللاجئين.

في القمة، من المرجح أن يناقش القادة أطر عمل جديدة لإدارة الهجرة بشكل أكثر فعالية. وهناك اعتراف متزايد بأن النظام الحالي معطل وأن هناك حاجة إلى استراتيجية أكثر شمولاً وطويلة الأجل. وقد يشمل ذلك معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، مثل عدم الاستقرار في بلدان مثل ليبيا وأفغانستان و سوريا، والتركيز على الشراكات مع بلدان شمال أفريقيا و الشرق الأوسط للحد من الهجرة غير النظامية. وسوف يحتاج الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى إيجاد وسيلة لدمج المهاجرين بشكل أكثر فعالية في المجتمعات الأوروبية، ومعالجة التوترات الاجتماعية ونقص العمالة في قطاعات معينة. ومع ذلك، تظل مناقشة الهجرة واحدة من القضايا الأكثر إثارة للانقسام في الاتحاد الأوروبي، ومن غير المرجح أن تسفر هذه القمة عن حل شامل وموحد. ويتمثل التحدي في إيجاد أرضية مشتركة حول موضوع لا يزال يمزق نسيج الوحدة الأوروبية.

وفي صدد هذه القضايا، يلوح في الأفق ظل إدارة دونالد ترامب. على الرغم من أن ترامب لم يتولى منصبه منذ يناير 2021، إلا أن تأثيره على السياسة الأوروبية لا يزال محسوساً، لا سيما فيما يتعلق بكيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة. صعود ترامب مجدداً، مع تأكيده على القومية، ونزعة الحماية، والتشكيك في المؤسسات المتعددة الأطراف، كانت عامل أساسي في إثارة تساؤلات حول مستقبل التحالف عبر الأطلسي. لذا من الضرورة أن يناقش زعماء الاتحاد الأوروبي كيفية التعامل مع المرحلة التالية المتعلقة بالعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لا سيما في ضوء بدء إدارة ترامب في عام 2024.

السياسة الأمريكية وتأثيرها على قضايا مثل التجارة، وتغير المناخ، والإنفاق الدفاعي، والحوكمة العالمية. وهناك أيضاً مسألة كيفية إدارة الانقسامات الداخلية داخل الولايات المتحدة وتأثيرها على أولويات السياسة الخارجية لأوروبا.

تمثل هذه القمة لحظة حاسمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، حيث يواجه سلسلة من التحديات المعقدة في الداخل والخارج. إن العالم يتغير، ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتكيف لضمان أهميته وأمنه في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد. ويتعين على زعماء الدول الأعضاء السبع والعشرين أن يعملوا على إيجاد توازن دقيق بين الوحدة والواقعية، في حين يعالجون أيضا الانقسامات الداخلية التي تهدد تماسك الكتلة.

 ومع انعقاد القمة، سوف تتجه كل الأنظار نحو بروكسل، حيث سيتم تشكيل مستقبل الدبلوماسية والأمن والتعاون الأوروبي. ولن تؤثر القرارات المتخذة هنا على الاتحاد الأوروبي فحسب، بل ستحدد أيضاً مسار دور أوروبا في النظام العالمي في السنوات القادمة. ويتبقى لنا أن نرى ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على الحفاظ على وحدته وتأكيد نفسه كقوة عالمية في مواجهة هذه التحديات، ولكن لا شك أن هذه القمة سوف تشكل فصلاً محورياً في التطور المستمر للاتحاد الأوروبي.

المثير للاهتمام هو في صدد هذه التحديات نرى تحذير كاجا كالاس من المفاوضات المبكرة مع روسيا، فبينما يستعد قادة الاتحاد الأوروبي للاجتماع لحضور قمتهم عالية المخاطر، يتردد صدى صوت واحد من الكتلة بشكل خاص بإلحاح فيما يتعلق بالغزو الروسي المستمر لأوكرانيا. حيث أصدرت كاجا كالاس، تحذيراً مفادة: إن أي دفعة للمفاوضات في وقت مبكر جداً ستكون في الواقع صفقة سيئة بالنسبة لأوكرانيا. ويأتي بيانها في الوقت الذي يكافح فيه الاتحاد الأوروبي حول كيفية الحفاظ على سياسته. دعم أوكرانيا وسط الصراع الدائر، والذي دخل الآن عامه الثالث.

 وتأتي تعليقات كالاس استجابة مباشرة للضغوط الدولية المتزايدة، بما في ذلك من البعض داخل أوروبا وخارجها، للنظر في السبل الدبلوماسية لإنهاء الحرب. وفي حين أن هناك رغبة واضحة بين الكثيرين في التوصل إلى سلام عن طريق التفاوض، فإن كالاس يحذر من التسرع في المحادثات التي يمكن أن تقوض سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. مؤكدة أن تكلفة المفاوضات المبكرة يمكن أن تكون في نهاية المطاف أعلى بكثير من الفوائد المحتملة، مما يؤدي إلى اتفاق من شأنه أن يترك أوكرانيا عرضة للخطر وربما يؤدي إلى تنازلات إقليمية لروسيا. بيانها يسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب على الاتحاد الأوروبي تحقيقه في دعمه لأوكرانيا. وفي حين أن الخسائر الاقتصادية والسياسية التي خلفتها الحرب على أوروبا كبيرة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة والتضخم، ترى كالاس أنه يجب ألا يُسمح لروسيا بإملاء شروط السلام. ومن وجهة نظرها، فإن تجربة سوريا هي بمثابة درس قوي، وهو أن روسيا، على الرغم من قوتها العسكرية، ليست دولة لا تقهر. لقد أظهر الصراع السوري أنه حتى القوة العظمى مثل روسيا يمكن أن تتعثر وتواجه انتكاسات كبيرة عندما تواجه معارضة مرنة، وديناميكيات محلية، وضغوط دولية. يعد تحذير كالاس بمثابة تذكير في الوقت المناسب لزعماء الاتحاد الأوروبي بينما يستعدون للقمة في بروكسل. إن النهج الاستراتيجي الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الحرب في أوكرانيا لابد وأن يعكس إدراكاً مفاده أن التفاوض في الوقت الخطأ لن يؤدي إلى تعريض مستقبل أوكرانيا للخطر فحسب، بل قد يشجع روسيا أيضاً. وتدعو إلى مواصلة التضامن مع أوكرانيا، وتحث الزعماء الأوروبيين على البقاء حازمين في التزامهم بدعم كييف حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام بشروط اوكرانيا، وليس بشروط موسكو.
من المرجح أن يتردد صدى كلماتها من قبل الزعماء الآخرين في القمة، حيث ستكون المناقشات حول مستقبل أوكرانيا ودعم الاتحاد الأوروبي محورية. ويسلط موقف كالاس الضوء على مخاوف أوسع نطاقا داخل الاتحاد الأوروبي ــ من أن التسرع في التوصل إلى حل دبلوماسي قد يضعف عزيمة أوروبا الجماعية ويصب في مصلحة روسيا. وسوف تحتاج القمة المقبلة إلى معالجة كيفية الموازنة بين الدعم العسكري والمالي المستمر لأوكرانيا والاستراتيجية الطويلة الأجل لمواجهة العدوان الروسي دون المساس بوحدة أوروبا أو أمنها.

 وبينما ينخرط زعماء الاتحاد الأوروبي في المناقشات حول أزمة أوكرانيا، فإن تصريحات كالاس تشكل تذكيراً صارخاً بأن المفاوضات مع روسيا لا يمكن اعتبارها حلاً سحرياً. وبدلاً من ذلك، يتعين على أوروبا أن تستمر في تعزيز دعمها لأوكرانيا وضمان استناد أي جهود دبلوماسية إلى أساس راسخ ومستدام، وليس على أهواء الكرملين الذي يسعى إلى توسيع نفوذه على حساب السيادة الأوكرانية.

فيديو