تزامن صعود الإخوان والتنظيمات الإرهابية وتطور العلاقة مع الحوثيين

تقارير - منذ 5 أيام

الإرهاب المدعوم يمنياً كيف أصبح أداة سياسية ضد الجنوب؟

عين الجنوب | تحليل - خاص

لثلاثة عقود، يخوض الجنوب معركة مصيرية ضد التنظيمات الإرهابية التي وجدت لنفسها بيئة حاضنة في المنطقة، حيث تم إستخدام الإرهاب كسلاح لإضعاف الجنوب ومنع تقدمه السياسي والعسكري. ورغم أن هذه التنظيمات تنشط في عدة مناطق يمنية، فإن الجنوب وحده هو المستهدف بشكل مباشر بعمليات إرهابية متكررة، لخدمة الجهات التي تستفيد من استمرار هذا التهديد، ممثلة في القوى السياسية والعسكرية اليمنية التي قامت بتمويله وحمايته منذ ما بعد عام 94.

حيث برزت روابط سرية بين القوى السياسية اليمنية والتنظيمات الإرهابية، ادت الى تحول الأحزاب والجماعات العسكرية في الشمال إلى غطاء آمن للقاعدة وداعش، بينما تواجه القوات الجنوبية منذ 2015 هذا الخطر بمفردها، في ظل تجاهل المجتمع الدولي للحاجة الملحة إلى دعمها عسكرياً واستخباراتياً.

عند البحث في جذور تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، نجد أن العلاقة بين الإخوان المسلمين (ممثلين بحزب الإصلاح) وهذه الجماعات التي تتوافق إيديلوجياً مع الحزب، وتحولت مع مرور الوقت إلى تحالف عسكري وأمني يخدم مصالح الطرفين. بدأت هذه العلاقة تأخذ شكلها الواضح منذ حرب صيف 1994، عندما استعان الحزب بعناصر متطرفة لمحاربة الجنوب، ونظراً لنفوذ الإخوان الذي تزايد في الجنوب خاصة وأنه كان القوة الرئيسية التي أجتاحت الجنوب مع دعم من رئيس المؤتمر الشعبي العام حينذاك، نفوذ الحزب المتزايد في الجنوب، خاصة في مناطق إقتصادية آثار المخاوف بين الشريكين حزب الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام هذا جعل الرئيس علي عبدالله صالح يستعين بالولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في اليمن، لكن نقطة التحول الحقيقية جاءت في عام 2011، عندما وجد الإخوان أنفسهم في موقع القوة بعد الإطاحة بصالح عبر دعم إقليمي، خاصة وأن صالح كان يسعى لإمتلاك القرار لوحده ومخاوفه التي أبرزتها تلميحاته لدور خارجي في تعزيز نفوذ حزب الإصلاح، ولتثبيت التوازن قام بدعم الحوثيين سرياً وهناك وثائق تثبت دعمه بمرتبات ومؤونه للحوثيين، لكن تصاعد نفوذ الإخوان كان أسرع من إستراتيجية صالح لدعم التوازن بين نقيضين.

في تلك الفترة، أصبح حزب الإصلاح القوة السياسية والعسكرية الأكبر في البلاد، وتمكن من السيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية في صنعاء ومأرب وتعز. ومع تصاعد نفوذهم، بدأوا بتوفير غطاء رسمي لتنظيم القاعدة، مستخدمين خطاب مزدوج يجمع بين الشعارات الديمقراطية أمام المجتمع الدولي، والتحالفات السرية مع الجماعات الإرهابية على الأرض. والهدف واضح وهو استخدام التنظيمات الإرهابية كسلاح سياسي وعسكري ضد الخصوم، وتحديداً الجنوب، الذي اشتدت مطالب شعبه في إستعادة الدولة، مما شكل تهديد مباشر لمشروع الإخوان للهيمنة على البلاد. حيث بعد ثورة توكل وما تلاها من أحداث تزايدت الهجمات الإرهابية في الجنوب بشكل غير مسبوق، حيث استهدفت القاعدة وداعش القيادات العسكرية والأمنية الجنوبية، بينما لم تسجل أي عمليات إرهابية كبيرة ضد قيادات شمالية، سواء في صنعاء أو تعز أو مأرب. هذا النمط يشير بوضوح إلى استراتيجية ممنهجة لاستخدام الإرهاب كأداة سياسية ضد الجنوب، وهو ما أكده العديد من المسؤولين العسكريين الجنوبيين، ومنهم العميد مختار النوبي، الذي صرح بأن الإرهاب صنع خصيصاً لضرب الجنوب وإضعاف قضيته الوطنية.

بالمقابل، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء في 2014، تشير تقارير استخباراتية إلى أن كثيراً من عناصر القاعدة انتقلوا بسلاسة إلى مأرب وتعز، حيث وجدوا حماية من القوات الموالية للإخوان، مما يعني أن الجماعات المتطرفة تعمل وفق أجندة سياسية تتجاوز البعد العقائدي التقليدي، بل هناك تقارير لكنها غير مؤكدة حول حصول الحوثيين على معلومات إستخباراتية من دول كبرى تعزز من قدرتهم على تحجيم الشخصيات الإرهابية في مناطق سيطرتهم، وهذا ما عزز من بدء هروب قيادات إخوانية وفرارهم الى مأرب المعقل الرئيسي للحزب، وبعض محافظات الجنوب لكن عندما اشتد الضغط على التنظيمات الإرهابية في الجنوب بفضل العمليات العسكرية التي قادتها القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي، بدأت هذه التنظيمات تعيد تجميع صفوفها في الشمال، وتحديداً في مأرب وتعز، اللتين أصبحتا الملاذ الآمن الجديد لعناصر القاعدة وداعش.

في مأرب بشكل خاص، حيث يسيطر حزب الإصلاح بشكل كامل على القرار السياسي والعسكري، تم إنشاء معسكرات تدريب سرية لعناصر القاعدة، بينما وفرت بعض المؤسسات الإخوانية بما فيها الحكومية تمويلاً مباشراً لهذه الأنشطة.

تقارير استخباراتية غربية أكدت وجود عناصر من القاعدة وداعش في صفوف القوات الموالية للإخوان، والتي حصلت على دعم عسكري مباشر من الحكومة الشرعية سابقاً بين الفترة 2011 وما بعدها.
عمليات تبادل أسرى بين القاعدة وقوات مأرب، حيث تم إطلاق سراح إرهابيين بارزين دون أي مبرر قانوني. وعمليات تسهيل هروب لعناصر بارزين في القاعدة من سجون صنعاء في 2006
شهادات من سكان محليين أكدت أن بعض قادة القاعدة يتنقلون بحرية في مأرب، دون أن يتم استهدافهم من قبل القوات الحكومية هناك.
أما في تعز، فقد استخدمت الميليشيات الإخوانية نفس الاستراتيجية، حيث أطلقت يد الجماعات الإرهابية في مناطق عدة، لكنها ليست بنفس الإيدلوجية التي عليها الجماعات في مأرب ولكنها لنفس الغرض حيث ركزت عملياتها العسكرية ضد القوات الجنوبية في عدن ولحج، بينما جماعات مأرب تركزت أنشطتها في أبين وشبوة وحضرموت مما يثبت أن هذه الجماعات بشقيها تعمل ضمن مخطط سياسي واضح يهدف إلى استنزاف الجنوب وضرب أمنه وإستقراره.

في ظل هذا الواقع المعقد، تحملت القوات المسلحة الجنوبية العبء الأكبر في مواجهة الإرهاب، ونجحت في تنفيذ عدة عمليات نوعية ضد القاعدة، رغم قلة الإمكانيات وضعف الدعم الدولي أبرزها: عملية سهام الشرق (2022) حيث استهدفت معاقل القاعدة في أبين، وأسفرت عن تصفية عدد كبير من القادة الميدانيين للتنظيم، عملية سهام الجنوب (2023) حيث استهدفت شبكات إرهابية في شبوة كانت تحصل على دعم من قوى سياسية في الشمال. كما أن عمليات القوات الجنوبية مستمرة لم تتوقف وأخرها عمليات ضبط شبكات تهريب المخدرات إضافة الى عملية خاصة في لحج (مارس 2025) أطاحت بأخطر شبكة تزوير وثائق عسكرية ومدنية، والتي كانت تُستخدم لتسهيل تحركات الإرهابيين في الجنوب.

لكن رغم هذه النجاحات، تواجه القوات الجنوبية تحديات خطيرة بسبب نقص الإمكانيات والدعم الدولي، مما يحد من قدرتها الكاملة على مواصلة العمليات بكفاءة. وفي الوقت الذي يدرك فيه المجتمع الدولي خطورة الإرهاب في المنطقة، لا يزال الدعم الموجه للقوات الجنوبية غير كافي مقارنة بحجم التحديات التي تواجهها.

ولذلك يتحتم على الشركاء الإقليمين والدوليين دعم القوات الجنوبية لأسباب عدة ومنها: أن القوات الجنوبية تمتلك الخبرة الميدانية المثبته التي تؤهلها لتكون شريك رئيسي في الحرب العالمية ضد الإرهاب. كما أنها أثبتت فعاليتها في تفكيك شبكات القاعدة وداعش، رغم افتقارها للمعدات المتطورة. بالإضافة الى كونها تشكل خط الدفاع الأول ضد التهديدات الإرهابية التي قد تمتد إلى دول الجوار، بل وحتى دول العالم. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل جاد لدعم القوات الجنوبية عسكرياً واستخباراتياً، فإن خطر الإرهاب لن يظل محصوراً في المنطقة، بل سيمتد ليهدد الأمن الإقليمي والدولي خاصة وأن التنظيمات الإرهابية أضحت جماعة تخدم أجنده سياسية عبر عنه تغير تحالفاتها حسب المصالح ولعل تخادمها مع ميليشيا الحوثيين لضرب الجنوب هو برهان على المدى التي يمكن أن تذهب إليه هذه التنظيمات لتحقيق أهدافها المزعزعة للإستقرار والأمن المحلي والدولي.

وكما أثبتت الأحداث، اصبح من الواضح أن الإرهاب المدعوم يمنياً عبر الإخوان والحوثيين هو مشكلة أمنية متفاقمة، وأداة سياسية تستخدمها قوى الشمال ضد الجنوب، في محاولة لإبقاء الجنوب في حالة من الإستنزاف الممنهج. ورغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها القوات الجنوبية، إلا أن الحرب ضد الإرهاب لن تحسم بشكل كامل دون دعم إقليمي ودولي عاجل ومنسق قبل أن يدفع الشركاء الإقليميين والدوليين الثمن باهظاً جراء إنتشار هذه التنظيمات خارج الحدود.

فيديو