في دهاليز الموت، الميليشيات الحوثية بين شعارات الوهم وضربات الحقيقة

تقارير - منذ 3 أيام

في دهاليز الموت، الميليشيات الحوثية بين شعارات الوهم وضربات الحقيقة

عين الجنوب | تقرير - خاص


كأن على صنعاء غشاوة، وعلى مستشفياتها رداء صمت كثيف لا يخترقه غير أنين الجرحى وهمس الأرواح المغادرة. ومع تصاعد نيران الغارات الأمريكية، تتكشف فصول رواية حزينة، تُروى على مسرح الظل، لا مشهد فيها إلا الدخان، ولا بطل سوى الدجل.

فمنذ أن أرعدت السماء على مواقع الحوثي ودكت أوكار تسليحه، امتلأت مستشفيات صنعاء، لا بالشفاء بل بالشقاء، ولا بالطبابة بل بالرقابة. لقد فرضت الجماعة طوقاً من الحديد والنار، على مستشفيات كـ 48 والقدس والشرطة، حتى باتت غرف الطوارئ كأنها قبور مؤقتة، والثلاجات حظائر للأرواح المغرر بها.

أفرغت الجماعة الموتى من ثلاجاتهم، لا لدفنهم، بل لملء المكان بآخرين، سقطوا من علياء الوهم إلى هاوية الواقع. نقلت الأجهزة، واستُدعيت الفرق الطبية الخاصة، حتى أصبح الطبيب كالمخبر، يسأل ولا يُسأل، يرى ولا يُروى، وإلا كان نصيبه السجن أو ما هو أشد وأنكى.

ما بين سرير يحتضر عليه قائد، وغرفة يئن فيها جريح، أُجبرت المستشفيات الخاصة على التخلي عن خصوصيتها، وتحولت، بليل وتهديد، إلى ثكنات مموهة، لا يدخلها إلا من ختمته الطاعة، وختمت على فمه التعليمات.

وكأنما أرادت الجماعة أن تلوذ بالجهل، وتعتصم بالصمت، فحجبت الحقيقة، ومنعت العزاء، وحرمت الرثاء، وسوقت لانتصارات وهمية على أثير القنوات، فكلما ضُربت، قالت إنها أصابت، وكلما خسرت، قالت إنها انتصرت. ألا ليت الإعلام مرآة، لا مسرحية، ولا خدعة في بطانة!

ما إن تُوجه ضربة، حتى تهرع إلى تيليغرام، تنفث فيه دخان الدعاية، وتبث تسجيلات ومقاطع، كلها مصقولة كمعدن مزيف، تُظهر منصات إطلاق وقاذفات، وتخفي الدماء والحطام. إنها سياسة الضرب من الظهر، والتصوير من الأمام. إذ كل صاروخ مزعوم في البحر، هو طعنة في العقل، وكل نصر مزور، هو جرح في الحقيقة.

في الوقت الذي تهتز فيه جدران صنعاء بأصداء الانفجارات، تئن عائلات بصمت مر، ممنوعون من دفن موتاهم علناً محرومون من دمعة على شاهد قبر. فالجماعة تخشى من جنازة تُسقط هيبتها، كما تخشى من حالة الذعر التي لو نُشرت، لكانت عليها أقسى من ألف غارة.

وهكذا، ما إن يسقط مقاتل، حتى تُنسج حوله الحكايات، ويقدم للناس كبطل من زمن الغزوات، رُسمت له نهاية مأساوية في قافية الشعارات، فيما الحقيقة تقول: هو ضحية في رقعة شطرنج تحركها قيادات لا ترى في الموت إلا ورقة تفاوض.

وبينما تحظر المنصات الكبرى دعاية الجماعة، وجدت الميليشيا في تيليغرام ظلالاً تسكنها، ومجالس تهمس فيها بما لا تستطيع أن تصرخ به في العلن. هناك، تُبث البيانات، وتُلقى الخطب، وتغنى الأناشيد، في محاولة لإبقاء الحماسة مشتعلة، حتى وإن أحرقت من حولها كل شيء. بدايتها بيانون سريع.

جماعة الحوثي تسير على درب قديم، سار عليه كل مستبد، اكذب ثم اكذب، حتى يصدقك أتباعك أو تهلك معهم. لكنها تغفل عن المثل الذي يقول؛ حبل الكذب قصير.

فالدماء لا يمكن دفنها بالأكاذيب، والخراب لا يُرمم بالشعارات، والهواء لا يُعطر برائحة غبار الصواريخ. إنها معركة بين الحقيقة والخيال، بين صوت العقل وجلبة البوق، وبين أمة تُضرب لا تضرب... وميليشيا تعودت أن تهرب، إذا حمي الوطيس.

فيديو