ورقة موقف | الوعي الجمعي للجنوبيين دافعه المعاناة الفعلية منذ عام 90

أخبار دولية - منذ 5 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص


من خلال المشاهد الحية وشهادات عديدة متداولة بين الجنوبيين، يمكن قراءة التحول الجوهري وتمسك الشعب الجنوبي تجاه قضيته الوطنية على أنه وعي جمعي ناتج عن المعاناة الفعلية، أكثر منه نتيجة لخطاب أيديولوجي أو تعبئة سياسية.

الجيل الجنوبي السابق واللاحق الذي خاض المقاومة بعد عام 2015 لم يكن مدفوع بنوستالجيا الدولة الاشتراكية السابقة بمعناها الحرفي، ولا مدفوع بخطاب يساري منغلق، بل كان دافعه واقع إحتلالي معاش يومي من الإقصاء، والتهميش، والحرمان، وفقدان الكرامة في ظل ما عُرف بالجمهورية اليمنية بعد 1994. هؤلاء منهم من ولد بعد عام 90، والذين لم يعيشوا تجربة الاشتراكية بشكل مباشر، لكنهم عاشوا تجربة الاحتلال والهيمنة المتعمدة، والتطفيش القسري، والفصل، والإقصاء والتمييز الممنهج.

عندما اندلعت الحرب 2015، لم يكن الدفاع عن الجنوب مشروع سياسي فقط، بل كان انفجار للكرامة المهدورة، وللهوية الممنوعة، ولحق بسيط في أن يشعر الجنوبي أنه في أرضه، وأنه سيد قراره. لم تكن المعسكرات في العاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب قبل 2015 تُشعر المواطن بالأمان، كانت محظورة الرؤية والاقتراب. أما بعد 2015، فقد تحولت عدن وسائر مدن الجنوب إلى ساحات مقاومة حقيقية، يتشارك فيها المتعلم والعامل، التاجر والجندي، الفلاح والشاعر.

وهنا لا يمكن إغفال الوعي الجمعي المذهل، شباب وكبار قادة ومواطنين تركوا وظائفهم أو مدارسهم، وساهموا في المعركة، معركة وطن، تحركهم لم يكن استجابة ترفيهيه، بل بدافع الانتماء، وبفعل إدراك عميق لما يحدث، وبفعل تراكم وعي استمر لعقود، وتُرجم في لحظة ما إلى موقف. وقد اتضح أن تلك اللحظة لم تكن لحظة عاطفية، بل لحظة تحوّل سياسي حقيقي.

هذا الواقع، الذي تشكل بالتراكم، يُفسر لماذا يستميت الجنوبيين في الدفاع عن أرضهم، ولماذا يخرجون بالملايين في مليونيات عدة منها مليونية اليوم في حضرموت. ولا يتعلق الأمر بعداوة اي طرف، بقدر ما يتعلق بذاكرة جماعية من الاجتياح، والقهر، وسرقة الفرص. لذا فإن المطالب الجنوبية اليوم لا يمكن اختزالها في مسميات انفصال، بل هي مشروع استعادة وطن وهوية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما يظهر جلياً في الخطاب السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، المفوض شعبياً.

القيادة الجنوبية تعرضت للانتقاد، كما هو الحال في أي حركة وطنية، خاصة في ظل وضع اقتصادي مفروض تم السكوت عنه، لكن تبقى حقيقة أن القرار السيادي لم يعد بيد القوى التي احتلت الجنوب بعد 94، بل بات في يد قوى جنوبية صاعدة، تعكس إرادة جماهيرية أكثر من كونها انعكاساً لإرادة خارجية.

وإذا كان هناك من خان، فإن هناك كذلك من ضحى وصدق، ومنهم من يُذكر اسمه بتقدير في كل مجلس. تجربة الجنوب، بما فيها من آلام وتجارب، تُظهر أن الوعي الوطني لا يُولد من نصوص الأيديولوجيا فقط، بل من الواقع، ومن العيش، ومن التناقضات، ومن القدرة على النقد والتجاوز.

إن ما جرى ويجري في الجنوب، يشبه كثيراً تجارب الشعوب التي قاتلت دفاعاً عن الأرض والهوية والمستقبل، من شرق اسيا الى شرق اوروبا. الحرية ليست ترف، بل هي شعور لا يُقاس بالمرافق العامة، بل بمدى شعورك بأنك في وطنك. كما أن الشعوب لا تخرج دفعة واحدة إلى الساحات، ولا ترفع السلاح دفعة واحدة، إلا إذا اجتمعت قلوبها على يقين مشترك، بأن هذا الطريق هو آخر أمل للخلاص.

فيديو