عالم متغير وتحولات تشهدها المنطقة، تفسيرات المشهد العالمي

دراسات وتحليلات - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تحليل - خاص

تحولات جيوسياسية مستمرة، ازداد تقاطع الطموحات الاستراتيجية وديناميكيات القوة العالمية بروزاً. حيث تعكس اللقاءات رفيعة المستوى الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقتان، إلى جانب تطورات الأزمة في أوكرانيا، واعادة تقييم أوسع للنفوذ والتحالفات العالمية.

أكد الاستقبال الرسمي لترامب في أبوظبي، حيث اهدي وسام زايد، وعينة من خام مربان أحد أجود أنواع النفط الخام عالمياً - في اشارة لـ طبيعة العلاقات الأمريكية الخليجية القائمة على الطاقة. حيث يُمثل نفط مربان، بإنتاجه أكثر من مليوني برميل يومياً، الدور المحوري لدولة الإمارات العربية المتحدة في أسواق النفط العالمية، وقد أشارت لفتتها لترامب إلى استمرارية دبلوماسية الطاقة. توقعات ان أدنوك وقعت صفقات استراتيجية مع شركات طاقة أمريكية، مما يزيد من تكامل الاقتصادين. زيارة ترامب أيضاً فتحت آفاق جديدة في الذكاء الاصطناعي واتفاقيات بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة الشقيقة مسلطة الضوء على مكانة أبوظبي المتنامية كمركز للابتكار التكنولوجي.

وفي الوقت نفسه، أعلنت المملكة العربية السعودية عن شراكة بارزة مع شركة هيونداي الكورية الجنوبية لبناء مصنع لسيارات هيونداي في الشرق الأوسط. بطاقة إنتاجية تبلغ 50 ألف سيارة سنوياً، مما يمثل دفعة استراتيجية للرياض لتنويع اقتصادها، وتوطين القدرات الصناعية، وترسيخ مكانتها على مستوى العالم. ومن المتوقع أن يساهم هذا المصنع بشكل فاعل في الناتج المحلي الإجمالي للشقيقة الكبرى، وهو ينضم إلى مشاريع مثل لوسيد موتورز وسير مما يعزز أهداف رؤية 2030.

كما أن زيارة ترامب الى دول الأشقاء في الخليج العربي عملت على تسليط الضوء على الشراكات الاقتصادية المعززة وجددت أيضاً التركيز على الأمن الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بإيران ووكلائها، وأبرزهم ميلشيات الحوثي في ​​شمال اليمن. ومن المتوقع ان هناك مناقشات مشتركة نظراً لاهميتها على الامن الاقليمي والعالمي مثل تقييمات للتهديد الإيراني والحاجة إلى استراتيجيات ردع منسقة. فلطالما تعتبر ميلشيات الحوثيين عامل خطورة، نظراً لتهديداتها المستمرة للمنطقة العربية والملاحة الدولية والتي تمثل امتداد استراتيجي لنفوذ إيران الإقليمي المزعزع، مما مكنها من تهديد البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك حقول النفط والطرق البحرية العالمية.


في هذا الصدد، يُرجح أن تكون انخراطات ترامب قد ساهمت في تعزيز التنسيق العسكري بين الولايات المتحدة ودول الخليج، بما في ذلك توسيع تبادل المعلومات الاستخباراتية، وأنظمة الدفاع المتطورة، وأطر الردع المشتركة. ويرى أن التطبيع لحوارات الدفاع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول الخليج يُمهد الطريق لاستجابة أكثر تماسكاً واستباقية للتهديدات غير المتكافئة.

دفعت التصعيدات الميليشاوية الحوثية، بما في ذلك هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة على البنية التحتية الخليجية والجنوبية، دول الاشقاء إلى مضاعفة جهودها لتحييد هذه التهديدات. ويتزايد احتمال إبرام اتفاقيات مستقبلية مع واشنطن بشأن استهداف السلاسل اللوجستية الحوثية، وطرق تهريب الأسلحة، وقدرات الحرب السيبرانية. ويكتسب هذا البُعد الاستراتيجي أهمية متزايدة في ضوء إعادة تقييم المواقف العالمية الأوسع، لا سيما في ظل تجدد المفاوضات الغربية مع روسيا واحتمال عقد لقاء بين ترامب وبوتين.

فـ الصراع الروسي الأوكراني يؤثر، على الرغم من بُعده الجغرافي، بشكل غير مباشر على الحسابات الاستراتيجية في المنطقة، لكن قد تكون القوى الغربية، الساعية للانفتاح على روسيا، أكثر ميلاً لضمان الاستقرار الإقليمي في أماكن أخرى لتجنب تفاقم التمدد الجيوسياسي وربما العكس. ولكن ان صح التفسير الاول فإن هذا يفتح المجال أمام الجهات الفاعلة للدفع باتجاه موقف دولي أكثر حزماً ضد وكلاء إيران في شمال اليمن، انطلاقاً من منطق الحد من بؤر التوتر التي تُشتت الانتباه عن أوروبا.

ورغم انخراط روسيا ظاهرياً في التواصل الدبلوماسي مع دول الاشقاء في الخليج العربي، إلا أنها لا تزال طرفاً غير مستقر في هذه المعادلة. فعلاقات موسكو مع طهران وموقفها المشكوك فيه تجاه ميلشيات الحوثيين يحدّان من قدرتها على لعب دور الوسيط المحايد في الصراع الحالي. ومع ذلك، وبينما تسعى روسيا إلى إعادة تأكيد نفوذها في الشرق الأوسط، فقد تُضطر إلى تعديل بعض تحالفاتها.

أما بالنسبة للحوثيين أنفسهم، فيبدو مستقبلهم يتحدد بشكل محسوب. فهم، رغم يبدون معزولون دبلوماسياً، ويواجهون بيئة جيوسياسية متوترة، خاصة في ظل المطالب في الداخل والخارج نحو حشد الضغوط الدولية، لاحتواء وانهاء وجودها، فقد تُجبر الميلشيا على إعادة تقييم عدوانيتها. في غياب الدعم الإيراني أو تحت ضغط دولي متزايد، مما قد يتآكل نفوذهم بسرعة.

ما يمكن تأكيده هو ان زيارة ترامب للأشقاء في الخليج العربي وفرت منصة لإنعاش العلاقات الخليجية الأمريكية في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا، ونتوقع انها عززت جهود مواجهة النفوذ الإيراني في شمال اليمن. وبالنظر إلى الأولويات العالمية المتغيرة الناجمة عن الصراع الروسي الأوكراني، يبدو أن هناك فرصة سانحة لجهود أكثر شمولاً لتحقيق الاستقرار في الجنوب واليمن والمنطقة بشكل عام عبر تحييد وانهاء تهديد الميلشيات الحوثية ، كجزء من إعادة تنظيم إقليمي أوسع، نظراً لما لها من أهمية على الاستقرار على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

فيديو