31 عاماً على اعلان فك الارتباط، الجنوب بين إرث المقاومة وآفاق استعادة الدولة

دراسات وتحليلات - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص


في الذكرى 31 لإعلان فك الارتباط (21 مايو 1994) يعيد شعب الجنوب تأكيد حتمية استعادة دولته وفقاً لحجج مشروعة منها سياسي يحمل شهادات تاريخية، وقانوني يستند إلى الشرعية الدولية، واقتصادي يكشف نهب الموارد، واجتماعي يعكس معاناة ثلاثة عقود من القمع والتهميش المنظم. هذا التقرير يقدم تحليلاً شاملاً معاد صياغته بشكل اكثر عمقاً لأسئلة المصير الجنوبي عبر خمسة محاور رئيسية:

المحور الأول: التشريع التاريخي لفك الارتباط، وفيه يستذكر الأستاذ سالم الدياني (فريق الحوار الوطني الجنوبي) اللحظة الشرعية عندما أعلن الرئيس البيض العودة إلى الوضع الطبيعي لدولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) بعد كشف فشل الوحدة، وبشكل ادق نوايا اليمنية منها. هذه الرواية لا تنتمي للماضي فحسب، بل تشكل مرجعية دستورية للأجيال الجديدة، خاصة مع تحول اعلان فك الارتباط إلى وثيقة نضالية تمتزج فيها دماء الشهداء الجنوبيين بمواد القانون الدولي. والتي تعززت بتسليم الرئيس البيض الراية للمناضل الزُبيدي، حيث كان الرئيس البيض من أوائل من أدرك مبكراً أن الوحدة كانت مشروعاً احتلالياً بآليات مختلفة، حيث تشير دراسات التوزيع الوظيفي إلى أن 85% من المناصب العليا بعد 1990 ذهبت لشماليين، بينما خسر الجنوب 92% من ممتلكاته العقارية لصالح النخب الشمالية وفق تقارير محلية ودولية.

المحور الثاني: اليمننة كآلية استعمار حديث
يكشف د. حسين العاقل عضو هيئة التدريس بجامعة لحج وعضو الجمعية الوطنية التشريح الاقتصادي للاحتلال عبر مفهوم الرأسمالية القبلية، حيث تحولت صنعاء من مدينة فقيرة إلى مركز لرأس المال الطفيلي والمحسوبية مثلتها نهب 78 مؤسسة إنتاجية جنوبية كبيرة وفق إحصائيات مستقلة، السيطرة على 90% من ايرادات الواردات عبر موانئ الجنوب وصادرات النفط، تحويل 1200 عقار حكومي جنوبي إلى ملكيات خاصة لشماليين، وخصخصه 3 قطاعات إسكانية كانت مخصصة للجيش, ونهب سلاح الدولة الذي قدر في تقارير صحفية دولية بنحو 13 مليار دولار.

هذه الأرقام على سبيل الذكر لا الحصر، تفسر محاولات قوى صنعاء على فرض اليمننة كغطاء لاستمرار النهب، بينما يؤكد الشيخ مرعي التميمي عضو لجنة حرو ومن قيادات الهبة والحراك الجنوبي  أن الاعتراف الدولي بدولة الجنوب (1967-1990) يشكل سنداً قانونياً يفوق شرعية الجمهورية اليمنية التي لم تحصل على اعتراف حتى 1991، مذكراً ان حق شعب الجنوب في استعادة دولته هو حق سيادي وقانوني وشعبي.

المحور الثالث: نضال الثلاثون عام مستمر
يقدم سالم بن دغار (نائب رئيس لجنة الحقوق والحريات بالجمعية الوطنية) قراءة واقعية للاستراتيجية الشمالية التي تعيد إنتاج أدواتها مثلتها، الحرب الاقتصادية (عبر استهداف وتعطيل الموارد الجنوبية) والمكائد السياسية والامنية مثل تمويل الجماعات الإرهابية، بجانب الاستهداف الاعلامي للقيادة الجنوبية ممثلة بالرئيس القائد الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والقائد الاعلى للقوات المسلحة الجنوبية، بهدف ضرب المشروع الجنوبي.

المحور الرابع: هندسة التماسك الجنوبي
يطرح د. أحمد تربهي (رئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع سقطرى) نموذجاً عملياً للتماسك تتمثل في
القيادة الموحدة والإطار المؤسسي المشاركة الجنوبية مما يعزز صمود جنوبي أمام أعاصير التفكيك

المجلس الانتقالي بدوره أيضاً استطاع استيعاب مختلف القوى الجنوبية مقابل نسبة ضئيلة ومحدودة لا زالت تحاول التغريد خارج السرب استرضاءاً لمموليها من اليمنية، كما أن المجلس عمل على تحويل العديد من النخب الأكاديمية إلى سفراء لقضية شعب الجنوب في مختلف عواصم العالم.

المحور الخامس: المعادلة الإقليمية الصعبة
يحلل د. جمال عباد التأثيرات المتقاطع مثل الموقف الاقليمي يمكن التوسع فيها، مثل تاثير ذلك على اهداف التحالف العربي في انهاء التهديد الايراني في الشمال، بل هناك مخاوف انزياح الجنوب نحو المحور الإيراني، لكن هذه مخاوف لم تعد واقعية خاصة بعد احداث 2015 والشراكة المصيرية بين الجنوب ودول الاقليم في التصدي للتمدد الايراني. بينما الموقف الغربي، تخوفاته ناتجه عن نهج براغماتي، مفاده، هل استعادة الجنوب لدولته سيعزز مصالحنا ام لا؟. اما بالنسبة للشرق ربما تغيرت التحالفات للمحور الشرقي لكن هناك علاقات قوية سابقة قبل عام 90، وحالياً بحث عن نفوذ يتركز اكثر في الجانب العسكري في سياق روسيا واقتصادي اكثر في سياق الصين خاصة في منطقة استراتيجية كالجنوب.

السؤال يبقى هل استعادة شعب الجنوب لدولته سيتم القبول به؟ الاجابة نعم، وفقاً للقوانين الدولية ومواثيق الامم المتحدة، و 31 عام من عدم الاستقرار، لكن بسبب تشابك المصالح ومعادلة الاستقطاب، بين عدة دول، منها ما هو امني او إقتصادي استثماري او دبلوماسي او حتى سياسي، بجانب التعقيدات النسبية في السياق الاقليمي، مما يجعل الموقف يبدو متذبذباً عن تقديم اعتراف واضح او بالاصح هناك تحفظ متفاوت.

لكن ما يهمنا هو ان لشعب الجنوب تاريخ عمره واحد وثلاثون عاماً من المقاومة والنضال بجانب تحالفات اقليمية قوية ومصيرية والتي بدورها جعلت اعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994  يتحقق على الأرض، اليوم، يحمل الجنوب كل مقومات الدولة تتمثل في، شرعية تاريخية (اعتراف 63 دولة سابقاً)، ومقومات اقتصادية وجغرافية استراتيجية كبيرة، وقوة عسكرية ضاربة، وحامل سياسي منظم وموحد بقيادة الرئيس القائد الزُبيدي، بجانب إرادة شعبية واضحه تشكل النسبة الساحقة من شعب الجنوب المؤيد للإستقلال.

من هذا المنطلق بقي أن تعي القوى الدولية أن تأخير او التحفظ عن الاعتراف بدولة الجنوب هو فقط تأجيل لحل الأزمة اليمنية، كما أن قوى صنعاء لن تكون شريكاً للسلام إطلاقاً بدليل ثلاثة عقود من عدم الاستقرار، هنا تكمن الرسالة الحقيقية للذكرى الـ 31 لاعلان فك الارتباط،  الجنوب لم يعد ذلك الكيان المشتت والواهن الذي يمكن اعادة ابتلاعه، بل تحول إلى كيان فاعل ينتظر لحظة تحقيق الاستقلال الثاني، الذي لطالما مثل تطلعات الشعب الجنوبي وتضحياته الجسيمة، نحو دولة جنوبية كاملة السيادة من المهرة الى باب المندب.

فيديو