المملكة العربية السعودية وإعادة تشكيل التحالفات على اسس جديدة
تقارير - منذ 24 يوم
عين الجنوب | تقرير - خاص
البداية من الشقيقة الكبرى، حيث تبرز المملكة العربية السعودية كفاعل رئيسي يعيد صياغة تحالفاته وسياساته الخارجية ببراعة استثنائية. من خلال سلسلة من الخطوات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية المتزامنة، تضع الرياض نفسها في قلب المعادلة الإقليمية والدولية، مستفيدةً من موقعها الجيوسياسي وثقلها الاقتصادي لتعزيز دورها كقوة وسيطة وصانعة للاستقرار في منطقة تعاني من تصدعات عميقة.
كما أن زيارة الرئيس الامريكي ترامب شكلت منعطفاً مهماً في مسار العلاقة بين البلدين، حيث تجاوزت الرياض النموذج التقليدي القائم على الأمن والنفط إلى شراكة استراتيجية أوسع تشمل الاقتصاد والتقنية والبنية التحتية. توقيع وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية يعكس رؤية عميقة لتحويل هذه العلاقة إلى إطار دائم يشمل مجالات مثل الطاقة النظيفة والتحول الرقمي والاستثمارات التكنولوجية. هذا التحول يأتي في سياق تنامي المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بجانب روسيا حيث تسعى المملكة بحكمة إلى الحفاظ على تحالفها التاريخي مع واشنطن دون التضحية بعلاقاتها الاقتصادية المتنامية مع القوى الآسيوية.
وفي الوقت نفسه، فإن كلمة ولي العهد في القمة الخليجية-الأمريكية كشفت عن رؤية متكاملة للسياسة الخارجية السعودية، حيث يجتمع التمسك بالتنسيق الخليجي مع الانفتاح على التعددية الدولية، لتعبر عن برنامج عمل واضح يعكس رغبة المملكة في أن تكون جسراً بين العالم العربي والمجتمع الدولي، مع التركيز على الحلول التي تبني سلاماً حقيقياً ومستداماً.
ومن هذا الاساس استراتيجية المملكة اضحت لا تقتصر على التحالفات ذات التوجه الواحد، بل تمتد إلى تعزيز شراكاتها مع القوى الأوراسية الناشئة. اتفاقيات التعاون مع اليابان وروسيا وأوزبكستان وكازاخستان تكشف عن خريطة طموحة للعلاقات الدولية، حيث تتحول الرياض تدريجياً إلى مركز للتفاعلات الاقتصادية والأمنية بين آسيا والشرق الأوسط.
فمع اليابان، تركز الشراكة على نقل التكنولوجيا والاستثمار في الطاقة النظيفة، وهو مجال تبرز فيه طوكيو كشريك مثالي لرؤية 2030. أما مع روسيا، فإن التعاون في مجال سلامة الطيران المدني قد يكون بوابة لشراكات أوسع، خاصة في ظل الحاجة المتبادلة إلى تنويع العلاقات بعيداً عن التوترات الغربية. وفي آسيا الوسطى، تبرم السعودية اتفاقات في مجالات الاتصالات والثروة المعدنية، مما يعكس سعياً لتعزيز وجودها في منطقة غنية بالموارد وتكتسب أهمية جيوسياسية متزايدة.
أيضاً لا يمكن فهم التحركات السعودية دون النظر إلى بعدها الأمني، حيث تتحول المملكة من دولة تسعى إلى حماية أمنها الداخلي إلى فاعل إقليمي يساهم في صناعة الاستقرار. اتفاقية التعاون مع الصومال في مكافحة الإرهاب ليست سوى حلقة في سلسلة أوسع تشمل تعزيز الأمن في القرن الأفريقي وحماية الممرات البحرية الحيوية. هذا النهج يعكس إدراكاً سعودياً بأن الأمن الإقليمي لم يعد امر ثانوي، بل ضرورة حيوية لضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
ما تشهده السعودية اليوم ليس مجرد سلسلة من الاتفاقيات المنفصلة، بل هو جزء من رؤية استراتيجية أعمق تهدف إلى إعادة تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. الرياض لا تريد أن تكون مجرد لاعب في هذا النظام، بل تسعى إلى أن تكون أحد مراكزه الرئيسية، قادرة على الجمع بين الثبات على المبادئ والمرونة في التكتيك، وبين التحالفات التقليدية والشراكات الناشئة.
هذه الاستراتيجية المتعددة الأبعاد تضع المملكة في موقع فريد، حيث يمكنها أن تؤثر في مسار الأحداث الإقليمية والدولية، من خلال القوة الصلبة و عبر مزيج مدروس من الدبلوماسية الاقتصادية والأمنية والثقافية. وفي عالم يتجه نحو التعددية القطبية، الشقيقة الكبرى تبرز كواحدة من أبرز القوى التي ستشكل ملامح هذا النظام الجديد.