المجلس الإنتقالي الجنوبي والوضع القانوني، في السياق المحلي والإقليمي والدولي

الجنوب - منذ 7 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص 

منذ اللحظة الأولى لانهيار اتفاقية الوحدة بين الجمهورية الديمقراطية الشعبية والعربية اليمنية بفعل الممارسات التي انحرفت عن الاتفاق التي قامت عليه، كان واضحاً أن إرادة شعب الجنوب لم تعد تقبل الاستمرار تحت صيغة وحدة صارت تُستخدم لتكريس التهميش ونهب الموارد ومصادرة الهوية الجنوبية. إن السعي الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم ليس سلوك تفردي، بل يمثل استحقاق قانوني وتاريخي وأخلاقي، يجد جذوره في الإرادة الشعبية الجنوبية وفي الشرعية الوطنية التي تأسست عليها دولة الجنوب سابقاً، وفي فشل تجربة الوحدة وعدم مشروعيتها القانونية بفعل الإلحاق القسري والممارسات اللاحقة التي نسفت جوهر أي عقد بين طرفين ذا سيادة.

لقد جاء المجلس الانتقالي الجنوبي كمفوض شعبي، لا ككيان منفصل عن الشارع الجنوبي، بل كتعبير حي عن إرادة شعبية تجلّت في أكثر من مليونية أبرزها إعلان عدن التاريخي، وفي الالتفاف الجماهيري الواسع حول مشروع استعادة الدولة الجنوبية، وبصفته الممثل الأكثر تنظيماً وترابطاً، استطاع المجلس أن يجمع تحت مظلته أكثر من 38 كيان جنوبي، ممثلاً إطاراً وطنياً جامعاً لا كياناً حزبياً متفرداً. ولعل ما يعزز هذا الوضع القانوني المحلي هو امتلاك المجلس الانتقالي لقوات جنوبية منظمة ساهمت بفاعلية في دحر الإرهاب وفي تثبيت الأمن، وفي مواجهة التمدد الايراني، حيث بقي الجنوب صامداً حينما تهاوت جبهات في الشمال بفعل اختراقات سياسية وتواطؤات مع ميليشيات الحوثيين من قبل أحزاب تدّعي الشرعية وأولها الإخوان، وهو ما جعل الجنوب في الواقع هو الفاعل الحقيقي أمام التمدد الإيراني عبر أدواته الحوثية.

إن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يحمل مشروع دولة أيديولوجية أو طائفية، بل مشروع دولة وطنية مدنية تتأسس على العدل والمواطنة والهوية الجنوبية الواضحة، وهو في ذلك ليس حالة انفصالية أو جماعة مسلحة، فـ المجلس يمتلك مشروعاً شعبياً يسعى إلى استعادة دولة قائمة كانت لها حدود معترف بها دولياً، وجغرافيا سياسية واضحة، وعلاقات دبلوماسية كدولة عضو في الأمم المتحدة قبل 1990، وهو ما يختلف جذرياً عن حالات انفصال جماعات لم تكن تملك دولة سابقة، أو ميليشيات انقلبت على الدولة وفرضت نفسها وإيديلوجيتها على الشعوب.

على المستوى الإقليمي، يمتلك المجلس الانتقالي علاقات وتحالفات مع قوى إقليمية فاعلة، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تشارك الإمارات نفس الرؤية في محاربة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية، وفي تعزيز استقرار الجنوب كأولوية إقليمية، وهو ما يجعل من دعم الجنوب واستعادة دولته عاملاً مساعداً في تحقيق أهداف الأمن الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل حالة الانهيار التي تمر بها الشرعية اليمنية والتي فشلت في تحقيق الاستقرار أو الحفاظ على الجبهات، بل إن العديد من مكوناتها اليمنية تماهى مع المشروع الحوثي وساهم في تمكينه. وإذا كان التحالف العربي تدخل لاستعادة الشرعية، فإن هذه الشرعية تحت تأثير إخواني تعمل على النقيض، بينما نجح الجنوب بقواته ومؤسساته في تثبيت الأمن ومواجهة ميليشيات الحوثيين، ما يجعل من واجب الحلفاء والشركاء  الدوليين إعادة تقييم الواقع المنطقي نحو دعم استعادة شعب الجنوب لدولته باعتبار ذلك يعزز أهداف التحالف ذاتها في صد التمدد الإيراني التي من أجلها تدخل أساساً، وليست إنحرافاً عن تلك الأهداف. إضافة إلى حماية الممرات البحرية وحرية التجاره العالمية التي تنعكس إيجاباً  على استقرار الاقتصاد العالمي.

إن النموذج العراقي يقدم مثالاً صارخاً، فبينما تدخلت الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام، ونجحت بالفعل وبدلاً من دعم مسار جديد العراق، دعمت الولايات المتحدة الأكراد ومنحتهم حق إقامة إقليم مستقل كامل رغم أنهم لم يكونوا يملكون دولة مستقلة سابقاً، ولم يكونوا ضمن الأهداف المعلنة لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية ، بينما شعب الجنوب يملك سجلاً قانونياً كدولة مستقلة كاملة العضوية في الأمم المتحدة والجامعة العربية وحركة عدم الإنحياز، ناهيك عن التحالف تدخل والوضع الجنوبي الساعي لإستعادة دولته هو نفسه قبل وبعد، ما يجعل سعي شعب الجنوب ومجلسه الانتقالي الحالي لاستعادة الدولة الجنوبية استحقاقاً قانونياً ومنطقياً وليس خروجاً عن الأطر القانونية كما يحاول البعض تزوير الحقيقه أو تحريفها.

أما على المستوى الدولي، فإن حق تقرير المصير ثابت في القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، حيث ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن أي اتفاقيات تتم تحت الإكراه أو بفعل الإلحاق القسري، أو التي ينتج عنها تمييز وتهميش واستلاب للحقوق، تعتبر ملغاة، وهو ما ينطبق على اتفاقية الوحدة التي تم الانقلاب على جوهرها، وانتهت فعلياً بفعل الحرب التي شنها الشمال على الجنوب في 1994، حيث لم يعد هناك اتفاق وحدة قائم قانونياً، بل فرضت سلطة الأمر الواقع بالقوة العسكرية، وهو ما يعد غزواً وإلحاقاً لا شراكة، ناهيك عن إعلان الرئيس الجنوبي المسؤول عن توقيع الاتفاقية، هو نفسه من إعلن فك الإرتباط في 21 مايو، ملغياً بذلك إتفاقية الوحدة. ومن ثم فإن سعي شعب الجنوب لاستعادة دولته يستند إلى مبادئ القانون الدولي التي تُجرّم ضم أراضي الغير بالقوة، كما أن اعتراف منظمة OIPM ببطلان اتفاقية الوحدة يعد مؤشراً إضافياً على تزايد القناعة الدولية بأن الوحدة اليمنية لم تعد قائمة قانونياً إن لم يكن على الواقع، مما يعزز الحق الجنوبي نحو استعادة دولته وفقاً لإرادة شعبه.

إن المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم لا يسعى إلى خلق أزمة في المنطقة، بل يسعى إلى استعادة حالة الاستقرار، من خلال إقامة دولة وطنية حديثة في الجنوب على حدودها السابقة قبل عام 90، باعتبار ذلك ضماناً للأمن الإقليمي والدولي، ومنعاً للفوضى، وحماية للمصالح الحيوية في البحر العربي وخليج عدن، وهو بذلك يمثل حالة موضوعية فريدة قانونية تستحق الدعم، لا سيما في ظل التوافق الشعبي الجنوبي الواضح على مشروع استعادة الدولة، وعدم وجود أي تباين جنوبي ذا شأن أمام هذه الإرادة الجماهيرية التي تجلّت في المليونيات المتكررة، وفي الالتفاف الشعبي حول المجلس الانتقالي.

إن هذا الطرح الموضوعي يبين أن الأساس القانوني لدولة الجنوب ومسار المجلس الإنتقالي الجنوبي لم ينقطع يوماً، بل متلازم معه، وأن الإرادة الشعبية الجنوبية مستمرة في التعبير عن تطلعها لاستعادة الدولة الجنوبية. إضافة إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي، بما يمتلكه من شرعية شعبية وتنظيم سياسي ومؤسسات عسكرية وأمنية، وعلاقات إقليمية داعمة، ووضع قانوني منصوص عليه في القانون الدولي قادر على قيادة هذه المرحلة نحو استعادة الدولة الجنوبية، بما يحقق الاستقرار في الجنوب، ويُسهم في تعزيز الأمن المحلي والإقليمي والدولي، المنسجم مع مواثيق الأمم المتحدة والعدالة التاريخية لشعب الجنوب.

فيديو