تحليل: صعود الأسواق الناشئة وتحولات الاستثمار - مؤشرات انزياحية للنمو

اقتصاد - منذ 5 ساعات

عين الجنوب | إقتصاد

تشهد أسواق دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً جوهرياً في جاذبيتها الاستثمارية، حيث سجلت صافي تدفقات أجنبية بلغ 4.2 مليار دولار في الربع الثاني من 2025، بزيادة 50% عن الربع السابق، ليصل إجمالي التدفقات في النصف الأول إلى 7 مليارات دولار. وعلى الرغم من أن السعودية استقطبت 1.4 مليار دولار فقط من هذه التدفقات، إلا أن الارتفاع الكبير في ملكية المستثمرين الأجانب بأسهم السوق السعودية إلى 394.6 مليار ريال (105.2 مليار دولار) حتى يونيو 2025 يعكس ثقة متنامية في الإصلاحات الهيكلية ضمن رؤية 2030.  

وتأتي هذه الثقة مدعومةً بتحسينات تنظيمية مثل "الإقامة الذهبية" و"التراخيص الذهبية" في الإمارات والسعودية، والتي جذبت استثمارات ضخمة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، حيث بلغت استثمارات القطاع غير النفطي في الخليج نمواً بنسبة 3.7% في 2024. كما أن الأسواق المالية الخليجية، خاصة في الكويت ودبي، تصدرت الأداء الإقليمي، مسجلةً نمواً بنسبة 17.21% و10.61% على التوالي في النصف الأول من 2025، بفضل تدفقات أجنبية قوية وزيادة في السيولة.  

في سياق متصل، تشهد أسواق الديون الناشئة تحولاً لافتاً، حيث بلغت التدفقات إلى السندات المقومة باليورو 100 مليار يورو في مايو 2025، وهي الأعلى منذ 2014، نتيجةً لضعف الدولار وفقدان الثقة في الأصول الأمريكية. كما تجاوز إجمالي إصدارات ديون الأسواق الناشئة 190 مليار دولار في النصف الأول من العام، مع توجه واضح نحو سندات ثلاثية الأجل بعملات مثل اليورو واليوان، مما يعكس بداية تحول في النظام المالي العالمي.  
  
في الجانب الأوروبي، أطلقت 60 شركة ألمانية كبرى، بينها سيمنز ودويتشه بنك، مبادرة "صنع في ألمانيا"، التي تعهدت باستثمار 631 مليار يورو بحلول 2028 لتعزيز الثقة في الاقتصاد الألماني. هذه الخطوة تأتي في سياق تحولات أوسع في القارة، حيث تتنافس الدول الأوروبية لجذب الاستثمارات بعيداً عن التبعية للدولار، عززتها الاجراءات الحمائية التي اتبعتها اوروبا مؤخراً تجاه الصين ودولاً اخرى.

وفي هذا السياق أكد نائب وزير المالية الصيني أن بلاده لا تسعى للهيمنة على الأسواق العالمية، بل تعتمد على النمو المحلي أولاً، مع تصدير الفائض فقط عند وجود طلب خارجي. هذا النموذج يعكس سياسة مرنة تعتمد على اليد العاملة منخفضة التكلفة واندماج السياسات الصناعية مع حاجات المستهلكين، مما يحافظ على توازنها في النظام الاقتصادي العالمي.  

في جنوب شرق آسيا، بدأت دول رابطة آسيان تعزيز تحالفاتها مع الخليج والصين، حيث عقدت قمة ثلاثية غير مسبوقة في كوالالمبور مايو 2025 لتعزيز التعاون الاقتصادي. وتمثل هذه الشراكة 27% من سكان العالم و22% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع توقعات بنمو سنوي يتراوح بين 4% إلى 6% حتى 2030.  

كما شهدت التجارة بين آسيان والخليج ارتفاعاً إلى 137 مليار دولار في 2022، بينما بلغت استثمارات دول الخليج في آسيان 75 مليار دولار، مع تركيز على الطاقة والبنية التحتية. وتستفيد آسيان من مبادرة الحزام والطريق الصينية، طريق الحرير، التي مولت مشاريع بنية تحتية ضخمة في المنطقة، بينما تعزز دول مثل الامارات استثماراتها في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والسياحة.  

يبرز المشهد الاقتصادي العالمي اليوم تنافسية متزايدة للأسواق الناشئة تقابلها حمائية أوروبية تارة واستراتيجية تنافسية تارة اخرى، في المقابل تعزز آسيان والخليج مكانتهما عبر إصلاحات هيكلية وشراكات إقليمية. بينما تظهر أوروبا محاولات لاستعادة الثقة عبر استثمارات ضخمة، وفي المقابل تحافظ الصين على نموذج متوازن. استراتيجية السوق القائم على المستهلك والتوجه نحو تعدد العملات في الديون يعكس بداية تحول في النظام المالي العالمي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي الجنوب العالمي والدول الاخرى.

فيديو